إليه ما يكره. وقد سمَّى أهلُ السير والتاريخ جماعةً من المنافقين لا يُعْرَف عن أحدٍ منهم أنه حدَّث عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وجميع الذين حدَّثوا كانوا معروفين بين الصحابة أنهم من خيارهم.
وأما الأعراب، فإن الله تبارك وتعالى كشف أمرهم بموت رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فارتدَّ المنافقون منهم، فيتبيَّن أنه لم يحصل لهم بالاجتماع بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ما يستقرُّ لهم به اسم الصحبة الشرعية، فمن أسلم بعد ذلك منهم فحكمه حكم التابعين.
وأما مُسْلِمة الفتح، فإن الناس يغلطون فيهم يقولون: كيف يعقل أن ينقلبوا كلهم مؤمنين بين عشيَّة وضحاها، مع أنهم إنَّما أسلموا حين قُهروا وغُلبوا، ورأوا أنَّ بقاءهم على الشرك يضرّ بدنياهم، والصواب أن الإسلام لم يزل يعمل في النفوس منذ نشأته. ويَدُلُّك على قوة تأثيره أمور:
الأول: ما قَصَّه الله تبارك وتعالى من قولهم: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} فصلت: ٢٦ وقولهم: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} الفرقان: ٤٢.
الثاني: ما ورد من صدِّهم للناس أن يسمعوا القرآن حتى كان لا يَرِدُ مكةَ واردٌ إلا حذّروه أن يستمع إلى ص ١٩٥ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن اشتراطهم على الذي أجار أبا بكر أن يمنعه من قراءة القرآن بحيث يسمعه الناس (١).
الثالث ــ وهو أوضحها ــ: إسلام جماعة من أبناء كبار رؤسائهم ومفارقتهم آباءهم قديمًا، فمنهم عَمرو وخالد ابنا أبي أُحَيحة سعيد بن
(١) أخرجه البخاري (٢٢٩٧).