وهذا كما ترى، فإن كون المروي معروفًا غير منكر كافٍ في دفع التهمة، فكيف إذا كان راويه كما ذكر؟
فإن كان هذا المتبادر هو مراد الجوزجاني، فلا يخفى بُطلانُه، ويقال له: أما أن نتهم الثقات بالكذب في الروايات، فلا سبيل إليه، ولكن لا مانع أن نتهمهم بما لا ينافي العدالة إذا اقتضى الحال ذلك، ونبدأ بك أيها المبتدع، فنتهمك في رأيك هذا.
ولولا قوله: "ما يعرف وليس بمنكر" لقلنا: إنه أراد ما يشكوه من بعضهم، كالأعمش وأبي إسحاق السبيعي من تدليس المنكرات، فيكون أراد المنع من رواية ذلك؛ لاتهام الراوي بأنه سمعه ممن ليس بثقة فدلَّسَه.
ولولا ذِكْره الاتهام، لقلنا: لم يُرِد الحكم ببطلان ما منع من أخذه، فإنه إذا لم يكن له علة فهو صحيح ضرورةَ أنه معروف غير منكر، وأن راويه صدوق اللهجة، مأمون الرواية، مقبول عند أئمة السنة، ولكن منع من أخذه إرغامًا للمبتدع بأن لا يروى عنه ما يحبّ أن يروي، مع أنه لا حاجة إلى روايته لوجهين:
الأول: أنه معروف من غير طريقه.
الثاني: أنه يتعلق ببدعته، والمصلحة تقضي بعدم رواية ذلك، ولو عن السّنّي.
ذكر العجلي ــ كما في جزء قديم من "ثقاته" (١) ــ: عن موسى الجهني قال: جاء عَمرو بن قيس المُلائي وسفيان الثوري، فقالا: لا تحدِّث بهذا
(١) انظر ترتيبه: (٢/ ١٨٣ ــ تحقيق البستوي). وانظر (ص ١٥٦) حاشية (١).