والثاني: أنها قدّ القميص، وشهادة الشاهد، وقطع الأيدي، وإِعظام النساء إِياه، رواه مجاهد عن ابن عباس. والثالث: جَمَاله وعِفَّتُه، ذكره الماوردي.
قال وهب بن منبه: فأشار النسوة عليها بسجنه رجاء أن يستهوينه حين يخلو لهن في السجن، وقلن: متى سجنتيه قطع ذلك عنكِ قَالَةَ الناس التي قد شاعت، ورأوا أنكِ تبغضينه، ويذلُّه السجن لك، فلما انصرفن عادت إِلى مراودته فلم يزدد إِلا بُعداً عنها، فلما يئست، قالت لسيدها: إِن هذا العبد قد فضحني، وقد أبغضتُ رؤيته، فائذن لي في سجنه، فأذن لها، فسجنتْه وأضرَّتْ به. وقال السدي:
قالت: إِما أن تأذن لي فأخرج وأعتذر بعذري، وإِما أن تحبسه كما حبستني، فظهر للعزيز وأصحابه من الرأي حبس يوسف. قال الزجاج: كان العزيز أمر بالإِعراض فقط، ثم تغيَّر رأيه عن ذلك. قال ابن الأنباري: وفي معنى الآية قولان:
أحدهما: «ثم بدا لهم» أي: ظهر لهم بالقول والرأي والفكر سجنه.
والثاني: ثم بدا لهم في يوسف بداء، فقالوا: والله لنسجننَّه، فاللام جواب يمين مضمرة.
فأما «الحين» ، فهو يقع على قصير الزمان وطويله. وفي المراد به ها هنا للمفسرين خمسة أقوال:
أحدها: خمس سنين، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: سنة، روي عن ابن عباس أيضاً.
والثالث: سبع سنين، قاله عكرمة. والرابع: إِلى انقطاع القالَة، قاله عطاء. والخامس: أنه زمان غير محدود، ذكره الماوردي، وهذا هو الصحيح، لأنهم لم يعزموا على حبسه مدة معلومة، وإِنما ذكر المفسّرون قدر ما لبث.
سورة يوسف (12) : آية 36وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)
قوله تعالى: وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قال الزجاج: فيه دليل على أنه حبس، وإِن لم يُذكر ذلك. و «فتيان» جائز أن يكونا حَدَثين أو شيخين، لأنهم يسمون المملوك فتى. قال ابن الأنباري: إِنما قال: «فتيان» لأنهما كانا مملوكين، والعرب تسمي المملوك فتى، شاباً كان أو شيخاً. قال المفسرون:
عُمِّر ملك مصر فملُّوه، فدسُّوا إِلى خبَّازه وصاحب شرابه أن يسمَّاه، فبلغه ذلك فحبسهما، فكان يوسف قال لأهل السجن: إِني أعبِّر الأحلام، فقال أحد الفتيين: هلم فلنجرب هذا العبد العبراني. واختلفوا هل كانت رؤياهما صادقة، أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها كانت كذباً، وإِنما سألاه تجريباً، قاله ابن مسعود، والسدي.
والثاني: أنها كانت صدقاً، قاله مجاهد، وابن إِسحاق.
والثالث: أن الذي صُلب منهما كان كاذباً، وكان الآخر صادقاً، قاله أبو مجلز.
قوله تعالى: قالَ أَحَدُهُما يعني الساقي إِنِّي أَرانِي أي: في النوم أَعْصِرُ خَمْراً أي: عنباً.
وفي تسمية العنب خمراً ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه سماه باسم ما يؤول إِليه، لأن المعنى لا يلتبس، كما يقال: فلان يطبخ الآجُرَّ ويعمل الدبس، وإِنما يطبخ اللبِن ويصنع التمر، وهذا قول أكثر المفسرين. قال ابن الأنباري: وإِنما كان