قوله تعالي: وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما يعني الذي تخلص من القتل من الفتيين، وهو الساقي، وَادَّكَرَ اي: تذكر شأن يوسف وما وصَّاه به. قال الزجاج: وأصل ادَّكر: اذتكر، ولكن التاء ابدلت منها الدال، وأدغمت الذال في الدال. وقرأ الحسن: «واذَّكر» بالذال المشددة.
وقوله تعالى: بَعْدَ أُمَّةٍ أي: بعد حين، وهو الزمان الذي لبثه يوسف بعده في السجن، وقد سبق بيانه. وقرأ ابن عباس، والحسن «بعد أَمَةً» أراد: بعد نسيان.
فإن قيل: هذا يدل على أن الناسي في قوله: «فأنساه الشيطان ذكر ربه» هو الساقي، ولا شك أن من قال: إِن الناسي يوسف يقول: لم ينس الساقي. فالجواب: أن من قال: إِن يوسف نسي، يقول:
معنى قوله: «وادَّكر» ذكر، كما تقول العرب: احتلب بمعنى حلب، واغتدى بمعنى غدا، فلا يدل إِذاً على نسيان سبقه. وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: إِنما لم يذكر الساقي خبر يوسف للملك حتى احتاج الملك إِلى تأويل رؤياه، خوفاً من أن يكون ذكره ليوسف سبباً لذكره الذنب الذي من أجله حبس، ذكر هذا الجواب ابن الأنباري.
قوله تعالى: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ أي: من جهة يوسف فَأَرْسِلُونِ أثبت الياء فيها وفي وَلا تَقْرَبُونِ «1» أَنْ تُفَنِّدُونِ «2» يعقوب في الحالين، فخاطب الملك وحده بخطاب الجميع، تعظيماً، وقيل: خاطبه وخاطب أتباعه. وفي الكلام اختصار، المعنى: فأرسلوه فأتى يوسف فقال: يا يوسف يا أيها الصدّيق. والصدّيق: الكثير الصدق، كما يقال: فسّيق، وسكّير، وقد سبق بيانه.
قوله تعالى: لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ يعني الملك وأصحابه والعلماء الذين جمعهم لتعبير رؤياه.
وفي قوله: لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قولان: أحدهما: يعلمون تأويل رؤيا الملك. والثاني: يعلمون بمكانك فيكون سبب خلاصك. وذكر ابن الأنباري في تكرير «لعلّ» قولين. أحدهما: أن «لعل» الأولى متعلقة بالإِفتاء، والثانية: مبنية على الرجوع، وكلتاهما بمعنى «كي» . والثاني: أن الأولى بمعنى «عسى» ، والثانية بمعنى «كي» فأعيدت لاختلاف المعنيين، وهذا هو الجواب عن قوله: لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ «3» .
قال: المفسرون: كان سيِّده العزيز قد مات، واشتغلت عنه امرأته. وقال بعضهم: لم يكن العزيز قد مات، فقال يوسف للساقي: قل للملك: هذه سبع سنين مُخصِبات، ومن بعدهن سبع سنين شداد، إِلا أن يُحتال لهن، فانطلق الرسول إِلى الملك فأخبره، فقال له الملك: ارجع إِليه فقل له: كيف يُصنع؟
فقال: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم «دأْباً» ساكنة الهمزة، إِلا أن أبا عمرو كان إِذا أدرج القراءة لم يهمزها. وروى حفص عن عاصم «دأَباً» بفتح الهمزة. قال أبو علي: الأكثر في «دأب» الإِسكان، ولعل الفتح لغة، ومعنى «دأَباً» أي: زراعة متوالية على عادتكم، والمعنى: تزرعون دائبين. فناب «دأب» عن «دائبين» . وقال الزجاج:
المعنى: تدأبون دأباً، ودل على تدأبون «تزرعون» والدأب: الملازمة للشيء والعادة.
فإن قيل: كيف حكم بعلم الغيب، فقال: «تزرعون» ولم يقل: إِن شاء الله؟ فعنه أربعة أجوبة: