وفي ذكره للنسوة دون امرأة العزيز أربعة أقوال: أحدها: أنه خلطها بالنسوة، لحسن عِشرةٍ فيه وأدبٍ، قاله الزجاج. والثاني: لأنها زوجة ملك، فصانها. والثالث: لأن النسوة شاهدات عليها له.
والرابع: لأن في ذكره لها نوع تهمة، ذكر الأقوال الثلاثة الماوردي.
قال المفسرون: فرجع الرسول إِلى الملك برسالة يوسف، فدعا الملك النسوة وفيهن امرأة العزيز، فقال: ما خَطْبُكُنَّ أي: ما شأنكن وقصتكن إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ. فإن قيل: إِنما راودته واحدة، فلم جمعهنّ؟ فعنه ثلاثة أجوبة: أحدها: أنه جمعهن في السؤال ليُعلم عينُ المراوِدة. والثاني:
أن أزليخا راودته على نفسه، وراوده باقي النسوة على القبول منها. والثالث: أنه جمعهنَّ في الخطاب، والمعنى لواحدة منهن، لأنه قد يوقع على النوع وصف الجنس إِذا أُمن من اللبس، يدلّ عليه قول النبي صلّى الله عليه وسلم:
(814) «إِنكن أكثر أهل النار» فجمعهن في الخطاب والمعنى لبعضهن، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى: قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ قال الزجاج: قرأ الحسن «حاش» بتسكين الشين، ولا اختلاف بين النحويين أن الإِسكان غير جائز، لأن الجمع بين ساكنين لا يجوز، ولا هو من كلام العرب. فأعلم النسوةُ الملكَ براءة يوسف من السوء، فقالت امرأة العزيز: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أي: برز وتبين، واشتقاقه في اللغة من الحِصَّة، أي: بانت حصة الحق وجهته من حصة الباطل. وقال ابن القاسم:
«حصحص» بمعنى وضح وانكشف، تقول العرب: حصحص البعير في بروكه: إِذا تمكن، وأثَّر في الأرض، وفرَّق الحصى. وللمفسرين في ابتداء أزليخا بالإِقرار قولان:
أحدهما: أنها لما رأت النسوة قد برّأنه، قالت: لم يبق إِلا أن يُقبِلن علي بالتقرير، فأقرت، قاله الفراء. والثاني: أنها أظهرت التوبة وحقّقت صدق يوسف، قاله الماوردي.
سورة يوسف (12) : آية 52ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52)
قوله تعالى: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ قال مقاتل: «ذلك» بمعنى هذا. وقال ابن الأنباري:
قال اللغويون: هذا وذلك يصلحان في هذا الموضع وأشباهه، لقرب الخبر من أصحابه، فصار كالمشاهد الذي يشار إِليه بهذا، ولمّا كان متقضياً أمكن أن يشار إِليه بذلك، لأن المتقضّي كالغائب.
واختلفوا في القائل لهذا على ثلاثة أقوال: