سورة الرعد (13) : الآيات 6 الى 9وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9)
قوله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في كفار مكة، سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب، استهزاءً منهم بذلك، قاله ابن عباس «1» . والثاني: في مشركي العرب، قاله قتادة. والثالث: في النضر بن الحارث حين قال:
اللهم إن كان هذا هو الحقَ من عندك، قاله مقاتل.
وفي السيئة والحسنة قولان: أحدهما: بالعذاب قبل العافية، قاله ابن عباس ومقاتل. والثاني:
بالشرِّ قبل الخير، قاله قتادة.
فأما الْمَثُلاتُ فقرأ الجمهور بفتح الميم. وقرأ عثمان، وأبو رزين، وأبو مجلز، وسعيد بن جبير، وقتادة، والحسن، وابن أبي عبلة برفع الميم. ثم في معناها قولان: أحدهما: أنها العقوبات، قاله ابن عباس. وقال الزجاج: المعنى: قد تقدَّم من العذاب ما هو مثله وما فيه نكال، لو أنهم اتعظوا.
وقال ابن الأنباري: المُثْلَةُ: العقوبة التي تُبقي في المعاقَب شَيْناً بتغيير بعض خَلْقِه، من قولهم: مثّل فلان بفلان، إذا شأن خلقه بقَطْعِ أنفه أو أُذُنِهِ، أو سملِ عينيه ونحو ذلك. والثاني: أن المثلاتِ: الأمثالُ التي ضربها الله تعالى لهم، قاله مجاهد، وأبو عبيدة.
قوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ قال ابن عباس: لذو تجاوزٍ عن المشركين إِذا آمنوا، وإِنه لشديد العقاب للمصرِّين على الشرك. وقال مقاتل: لذو تجاوز عن شركهم في تأخير العذاب، وإِنه لشديد العقاب إذا عذَّب.
(فصل:) وذهب بعض المفسرين إِلى أن هذه الآية منسوخة بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ «2» ، والمحققون على أنها محكَمة.
قوله تعالى: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ «لولا» بمعنى هلاَّ، والآية التي طلبوها، مثلُ عصا موسى وناقة صالح. ولم يقنعوا بما رأوا، فقال الله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ أي: مخوِّفٌ عذاب الله، وليس لك من الآيات شيء.
وفي قوله تعالى: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ستة أقوال «3» : أحدها: أن المراد بالهادي: الله عزّ وجلّ،