ابن جريج عن مجاهد، وبه قال قتادة، وابن زيد. والثاني: أنه مأخوذ من العَضَهِ، والعَضَهُ، بلسان قريش: السِّحر، ويقولون للساحرة: عاضهة. وفي الحديث:
(852) أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن العاضهة والمستعضهة. فيكون المعنى: جعلوه سِحراً، وهذا المعنى في رواية عكرمة عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، والفراء.
قوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ هذا سؤال توبيخ، يُسأَلون عما عملوا في ما أُمروا به من التّوحيد والإيمان، فيقال لهم: لم عصيتم وتركتم الإِيمان؟ فتظهر فضيحتهم عند تعذّر الجواب. قال أبو العالية: يُسأَل العبادُ كلُّهم يوم القيامة عن خَلَّتين: عما كانوا يعبدون، وعما أجابوا المرسَلين. فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية، وبين قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ «1» ؟ فعنه جوابان: أحدهما: أنه لا يسألهم: هل عملتم كذا؟ لأنه أعلم، وإِنما يقول: لم عملتم كذا؟ رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: أنهم يُسأَلون في بعض مواطن القيامة، ولا يُسأَلون في بعضها، رواه عكرمة عن ابن عباس.
سورة الحجر (15) : آية 94فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)
قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: فامض لما تؤمر، قاله ابن عباس.
والثاني: أَظْهِر أمرك، رواه ليث عن مجاهد، قال ابن قتيبة: «فاصدع بما تؤمر» أي: أَظْهِر ذلك.
وأصله: الفَرْق والفتح، يريد: اصدع الباطلَ بحقك. وقال الزجاج: اظهَر بما تؤمر به، أُخذ ذلك من الصديع، وهو الصبح، قال الشاعر:
كأنَّ بياضَ غُرَّتِه صَديع «2»
وقال الفراء: إِنما لم يقل: بما تؤمر به، لأنه أراد: فاصدع بالأمر. وذكر ابن الأنباري أن «به» مضمرة، كما تقول: مررت بالذي مررت. والثالث: أن المراد به: الجهر بالقرآن في الصلاة، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. قال موسى بن عبيدة:
(853) ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزلت هذه الآية، فخرج هو وأصحابه.
وفي قوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ثلاثة أقوال: أحدها: اكفف عن حربهم. والثاني: لا تبالِ بهم، ولا تلتفت إِلى لومهم على إِظهار أمرك. والثالث: أعرضْ عن الاهتمام باستهزائهم. وأكثر المفسرين على أن هذا القدْر من الآية منسوخ بآية السّيف.