(855) سبب نزولها: أنه لما نزل قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ «1» ، فقال الكفار بعضهم لبعض:
إن هذا يزعم أنَّ القيامة قد اقتربت، فأمْسِكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر، فلما رأوا أنَّه لا ينزل شيء قالوا: ما نرى شيئاً، فأنزل الله تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ «2» فأشفقوا، وانتظروا قرب الساعة، فلما امتدَّت الأيام قالوا: يا محمد ما نرى شيئاً مما تخوِّفنا به، فأنزل الله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ، فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفع الناسُ رؤوسهم، فنزل: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فاطمأنوا، قاله ابن عباس.
وفي قوله: أَتى ثلاثة أقوال: أحدها: أتى بمعنى: يأتي، كما يقال: أتاك الخير فأبشر، أي:
سيأتيك، قاله ابن قتيبة، وشاهده: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ «3» ، وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى «4» ونحو ذلك.
والثاني: أتى بمعنى: قَرُب، قال الزجاج: أعلم الله تعالى أن ذلك في قربه بمنزلة ما قد أتى. والثالث:
أن «أتى» للماضي، والمعنى: أتى بعض عذاب الله، وهو: الجدب الذي نزل بهم، والجوع. فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فينزل بكم مستقبلاً كما نزل ماضياً، قاله ابن الأنباري.
وفي المراد ب «أمر الله» خمسة أقوال: أحدها: أنها الساعة، وقد يخرج على قول ابن عباس الذي قدمناه، وبه قال ابن قتيبة. والثاني: خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الضحاك عن ابن عباس، يعني: أن خروجه من أمارات الساعة. وقال ابن الأنباري: أتى أمر الله من أشراط الساعة، فلا تستعجلوا قيام الساعة. والثالث: أنه الأحكام والفرائض، قاله الضحاك «5» . والرابع: عذاب الله، ذكره ابن الأنباري.
والخامس: وعيد المشركين، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ أي: لا تطلبوه قبل حينه، سُبْحانَهُ أي: تنزيه له وبراءة من السوء عما يشركون به من الأصنام.
قوله تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ قرأ ابن كثير وأبو عمرو: «يُنْزِل» بإسكان النون وتخفيف الزاي.
وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: يُنَزِّلُ بالتشديد، وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: «تُنزَّل» بالتاء مضمومة، وفتح الزاي مشددة. «الملائكة» رفع. قال ابن عباس: يريد