المفسرون: إِذا طلعتْ الشمس وأنت متوجه إِلى القبلة، كان الظل قُدَّامك، فإذا ارتفعتْ كان عن يمينك، فإذا كان بعد ذلك كان خلفك، وإِذا دنتْ للغروب كان على يسارك، وإِنما وحّد اليمين، والمراد به: الجمع، إيجازاً في اللفظ، كقوله تعالى: وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «1» ، ودلّت «الشمائل» على أن المراد به الجميع، وقال الفراء: إِنما وحد اليمين، وجمع الشمائل، ولم يقل: الشمال، لأن كل ذلك جائز في اللغة، وأنشد:
الوَارِدُوْنَ وَتَيْم في ذَرَىَ سَبَأٍ
... قد عضّ أعناقَهُم جِلْدُ الجوامِيْسِ «2»
ولم يقل: جلود، ومثله:
كُلُوا في نِصْفِ بَطْنِكُم تَعِيْشُوا
... فانَّ زَمَانَكُم زَمَنٌ خَمِيْصُ «3»
وإِنما جاز التوحيد، لأن أكثر الكلام يواجَه به الواحد. وقال غيره: اليمين راجعة إِلى لفظٍ ما وهو واحد، والشمائل راجعة إِلى المعنى.
قوله تعالى: سُجَّداً لِلَّهِ قال ابن قتيبة: مستسلمة، منقادة، وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى: وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ «4» . وفي قوله تعالى: وَهُمْ داخِرُونَ قولان: أحدهما: والكفار صاغرون. والثاني: وهذه الأشياء داخرة مجبولة على الطاعة، قال الأخفش: إِنما ذكر مَن ليس من الإِنس، لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا الإِنس في الفعل.
قوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ الآية. الساجدون على ضربين: أحدهما: مَن يعقل، فسجوده عبادة. والثاني: مَن لا يعقل، فسجوده بيان أثر الصَّنعة فيه، والخضوع الذي يدل على أنه مخلوق، هذا قول جماعة من العلماء، واحتجوا في ذلك بقول الشاعر:
بِجَيْشٍ تضِلُّ البُلْق في حَجَراتِهِ
... تَرىَ الأُكْمَ فيه سُجَّداً لِلْحَوافِرِ «5»
قال ابن قتيبة: حَجَرَاتُهُ، أي: جوانبه، يريد أن حوافر الخيل قد قلعت الأُكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضت. فأما الشمس والقمر والنجوم، فألحقها جماعة بمن يعقل، فقال أبو العالية:
سجودها حقيقة، ما منها غارب إلّا خرّ ساجدا بين يدي الله عزّ وجلّ، ثم لا ينصرف حتى يُؤذَن له.
ويشهد لقول أبي العالية حديث أبي ذر قال:
(861) كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس، فقال: «يا أبا ذرّ! تدري أين