استعمال هذا الحرف، وذكر الجلّة من البصريين أنها إِنما احتملت الحذف، لأنه اجتمع فيها كثرة الاستعمال، وأنها عبارة عن كل ما يمضي من الأفعال وما يستأنف، وأنها قد أشبهت حروف اللين، وأنها تكون علامة كما تكون حروف اللين علامة، وأنها غُنَّة تخرج من الأنف، فلذلك احتملت الحذف.
قوله تعالى: شاكِراً لِأَنْعُمِهِ انتصب بدلاً من قوله: أُمَّةً قانِتاً وقد ذكرنا واحد الأنعم آنفاً، وشرحنا معنى «الاجتباء» في (الأنعام) «1» . قال مقاتل: والمراد بالصّراط المستقيم ها هنا: الإِسلام.
قوله تعالى: وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً فيها ستة أقوال «2» : أحدها: أنها الذِّكْر الحسن، قاله ابن عباس. والثاني: النبوَّة، قاله الحسن. والثالث: لسان صدق، قاله مجاهد. والرابع: اجتماع المِلَل على ولايته، فكلهم يتولّونه ويرضَونه، قاله قتادة. والخامس: أنها الصلاة عليه مقرونة بالصّلاة على محمّد صلى الله عليه وسلم، قاله مقاتل بن حيان. والسادس: الأولاد الأبرار على الكِبَر، حكاه الثعلبي. وباقي الآية مفسر في البقرة «3» .
سورة النحل (16) : آية 123ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)
قوله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ ملَّتُه: دينُه. وفيما أُمر باتباعه من ذلك قولان:
أحدهما: أنه أُمر باتباعه في جميع ملته، إِلا ما أُمر بتركه، وهذا هو الظاهر. والثاني: اتباعه في التبرُّؤ من الأوثان، والتدين بالإِسلام، قاله أبو جعفر الطبري. وفي هذه الآية دليل على جواز اتباع المفضول، لأن رسولنا أفضلُ الرسل، وإِنما أمر باتّباعه، لسبقه إلى القول بالحقّ.
سورة النحل (16) : آية 124إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
قوله تعالى: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ أي: إِنما فرض تعظيمه وتحريمه، وقرأ الحسن، وأبو حياة:
«إِنما جَعَل» بفتح الجيم والعين، «السبتَ» بنصب التاء عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ والهاء ترجع إِلى السبت. وفي معنى اختلافهم فيه قولان: أحدهما: أن موسى قال لهم: تفرَّغوا لله في كل سبعة أيام يوماً، فاعبدوه في يوم الجمعة، ولا تعملوا فيه شيئاً من صنيعكم، فأبَوا أن يقبلوا ذلك، وقالوا: لا نبتغي إِلاَّ اليوم الذي فرغ فيه من الخلق، وهو يوم السبت، فجعل ذلك عليهم، وشدِّد عليهم فيه، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال مقاتل: لما أمرهم موسى بيوم الجمعة، قالوا: نتفرغ يوم السبت، فان الله لم يخلق فيه شيئاً، فقال: إِنما أُمرت بيوم الجمعة، فقال أحبارهم: انتهوا إِلى أمر نبيّكم، فأبوا،