قال الحسن، وأبو العالية. والثالث: نبيُّهم، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومجاهد في رواية. والرابع: كتابُهم، قاله عكرمة، ومجاهد في رواية. ثم فيه قولان: أحدهما: أنه كتابهم الذي فيه أعمالهم، قاله قتادة، ومقاتل. والثاني: كتابهم الذي أُنزل عليهم، قاله الضحاك، وابن زيد. فعلى القول الأول يقال: يا متَّبعي موسى، يا متَّبعي عيسى، يا متَّبعي محمَّدٍ ويقال: يا متَّبعي رؤساء الضلالة.
وعلى الثاني: يا من عمل كذا وكذا. وعلى الثالث: يا أُمَّة موسى، يا أُمَّة عيسى، يا أُمَّة محمد. وعلى الرابع: يا أهل التوراة، يا أهل الإِنجيل، يا أهل القرآن. أو يا صاحب الكتاب الذي فيه عمل كذا وكذا.
قوله تعالى: فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ معناه: يقرءون حسابهم، لأنهم أخذوا كتبهم بأيْمانهم. قوله تعالى: وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا أي: لا ينقصون من ثوابهم بقدر الفتيل، وقد بيَّنَّاه في سورة النساء «1» .
قوله تعالى: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى مفتوحتي الميم، وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم بكسر الميمين، وقرأ أبو عمرو:
«في هذه أعمى» بكسر الميم، «فهو في الآخرة أعمى» بفتحها.
وفي المشار إِليها ب هذِهِ قولان «2» : أحدهما: أنها الدنيا، قاله مجاهد. ثم في معنى الكلام خمسة أقوال: أحدها: من كان في الدنيا أعمى عن معرفة قدرة الله في خَلْق الأشياء، فهو عمّا وُصِف له في الآخرة أعمى، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثاني: من كان في الدنيا أعمى بالكفر، فهو في الآخرة أعمى، لأنه في الدنيا تُقبَل توبته، وفي الآخرة لا تُقبَل، قاله الحسن. والثالث: من عمي عن آيات الله في الدنيا، فهو عن الذي غيِّب عنه من أمور الآخرة أشدّ عمىً. والرابع: من عمي عن نِعَم الله التي بيَّنها في قوله تعالى: رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ إِلى قوله: تَفْضِيلًا فهو في الآخرة أعمى عن رشاده وصلاحه، ذكرهما ابن الأنباري. والخامس: من كان فيها أعمى عن الحُجَّة، فهو في الآخرة أعمى عن الجنة، قاله أبو بكر الورّاق. والثاني: أنها النِّعم. ثم في الكلام قولان:
أحدهما: من كان أعمى عن النِّعم التي تُرى وتُشاهَد، فهو في الآخرة التي لم تُر أعمى، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني: من كان أعمى عن معرفة حق الله في هذه النّعم المذكورة في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ولم يؤدِّ شكرها، فهو فيما بينه وبين الله مما يُتقرَّب به إِليه أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا، قاله السدي. قال أبو علي الفارسي: ومعنى قوله: فِي الْآخِرَةِ أَعْمى أي: أشدُّ عمىً، لأنه كان في الدنيا يمكنه الخروج عن عَمَاهُ بالاستدلال، ولا سبيل له في الآخرة إِلى الخروج من عماه. وقيل: معنى العمى في الآخرة: أنه لا يهتدي إِلى طريق الثواب، وهذا كلُّه من عمى القلب. فإن قيل: لم قال:
فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ولم يقل: أشدُّ عمىً، لأن العمى خِلْقة بمنزلة الحُمرة، والزُّرقة، والعرب تقول:
ما أشدَّ سواد زيد، وما أبْيَنَ زرقة عمرو، وقلَّما يقولون: ما أسود زيداً، وما أزرق عمراً؟ فالجواب: أن