(909) والرابع: أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم: اطرد عنك سُقَاط الناس، ومواليهم، وهؤلاء الذين رائحتهم رائحة الضأن، وذلك أنهم كانوا يلبَسون الصوف، حتى نجالسَك ونسمعَ منك، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يفعل ما يستدعي به إِسلامهم، فنزلت هذه الآيات. حكاه الزجاج قال: ومعنى الكلام: كادوا يفتنونك، ودخلت «إِن» واللام للتوكيد. قال المفسرون: وإِنما قال: لَيَفْتِنُونَكَ، لأن في إِعطائهم ما سألوا مخالفةً لحكم القرآن.
قوله تعالى: لِتَفْتَرِيَ أي: لتختلقَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وهو قولهم: قل الله أمرني بذلك، وَإِذاً لو فعلت ذلك لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أي: والَوْكَ وصافَوْكَ.
قوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ على الحق، لِعِصمتنا إِياك لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ أي:
هممتَ وقاربتَ أن تَميل إِلى مرادهم شَيْئاً قَلِيلًا قال ابن عباس: وذلك حين سكت عن جوابهم، والله أعلم بنيَّته. وقال ابن الأنباري: الفعل في الظاهر للنّبيّ صلى الله عليه وسلّم، وفي الباطن للمشركين، وتقديره: لقد كادوا يُركنونك إِليهم، وينسبون إِليك ما يشتهونه مما تكرهه، فنسب الفعل إِلى غير فاعله عند أمن اللَّبْس، كما يقول الرجل للرجل: كدت تقتل نفسَك اليوم، يريد: كدت تفعل فعلاً يقتلك غيرك من أجله فهذا المجاز والاتساع وشبيه بهذا قوله تعالى: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «1» ، وقول القائل:
لا أرينّكَ في هذا الموضع.
قوله تعالى: إِذاً لَأَذَقْناكَ المعنى: لو فعلت ذلك الشيء القليل لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ أي: ضِعف عذاب الحياة وَضِعْفَ عذاب الْمَماتِ، ومثله قول الشاعر:
واستبَّ بَعْدَكَ يا كُلَيْبُ المَجْلِسُ «2»
أي: أهل المجلس. وقال ابن عباس: ضِعْفَ عذاب الدنيا والآخرة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم معصوماً، ولكنه تخويف لأُمَّته، لئلا يركن أحد من المؤمنين إِلى أحد من المشركين في شيء من أحكام الله وشرائعه.
قوله تعالى: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ في سبب نزولها قولان «3» :
(910) أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما قَدِم المدينة، حسدته اليهود على مُقامه بالمدينة، وكرهوا