قوله تعالى: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا قال ابن عباس: يريد أهل مكة. قال المفسرون: ومعنى الآية: وما منعهم من الإِيمان إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وهو البيان والإِرشاد في القرآن إِلَّا أَنْ قالُوا قولهم في التعجب والإِنكار: أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا؟ وفي الآية اختصار، تقديره: هلا بعث الله مَلَكاً رسولاً، فأُجيبوا على ذلك بقوله تعالى: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ أي: مستوطنين الأرض. ومعنى الطمأنينة: السكون والمراد من الكلام أن رسول كل جنس ينبغي أن يكون منهم. قوله تعالى: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً قد فسرناه في الرعد «1» إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً قال مقاتل:
حين اختصّ الله محمّدا بالرّسالة.
سورة الإسراء (17) : الآيات 97 الى 100وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100)
قوله تعالى: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي قرأ نافع، وأبو عمرو بالياء في الوصل، وحَذَفاها في الوقف. وأثبتها يعقوب في الوقف، وحذفها الأكثرون في الحالتين. قال ابن عباس: من يرد الله هداه فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ يَهدونهم.
قوله تعالى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يمشِّيهم على وجوههم، وشاهِده ما روى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث أنس بن مالك أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال:
(920) «إِن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا، قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة» .
والثاني: أن المعنى: ونحشرهم مسحوبين على وجوههم، قاله ابن عباس. والثالث: نحشرهم مسرعين مبادرين، فعبّر بقوله تعالى: «على وجوههم» عن الإِسراع، كما تقول العرب: قد مَرَّ القوم على وجوههم: إِذا أسرعوا، قاله ابن الأنباري.
قوله تعالى: عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا فيه قولان: أحدهما: عمياً لا يرون شيئاً يَسرُّهم، وبكماً لا ينطقون بحجَّة، وصماً لا يسمعون شيئاً يسرُّهم، قاله ابن عباس. وقال في رواية: عمياً عن النظر إِلى ما جعل الله تعالى لأوليائه، وبكما عن مخاطبة الله تعالى، وصماً عما مدح به أولياءه، وهذا قول الأكثرين. والثاني: أن هذا الحشر في بعض أحوال القيامة بعد الحشر الأول. قال مقاتل: هذا يكون حين يقال لهم: اخْسَؤُا فِيها «2» فيصيرون عمياً بكماً صماً لا يرون ولا يسمعون ولا ينطقون بعد ذلك.