الأرض كما خرجت منها. قوله تعالى: وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وقرأ عمرو بن العاص، وابن السّميفع، وأبو العالية: «وترى الأرض» برفع التاء والضاد. وقرأ أبو رجاء العطاردي كذلك، إِلا أنه فتح ضاد «الأرضَ» . وفي معنى «بارزة» قولان: أحدهما: ظاهرة فليس عليها شيء من جبل أو شجر أو بناءٍ، قاله الأكثرون. والثاني: بارزاً أهلها من بطنها، قاله الفراء.
قوله تعالى: وَحَشَرْناهُمْ يعني المؤمنين والكافرين فَلَمْ نُغادِرْ قال ابن قتيبة: أي: فلم نُخَلِّف، يقال: غادرتُ كذا: إِذا خلّفته، ومنه سمي الغَدِير، لأنه ماءٌ تُخَلِّفُه السيول. وروى أبان: «فلم تغادر» بالتاء. قوله تعالى: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا
إِن قيل: هذا أمر مستقبل، فكيف عُبِّر عنه بالماضي؟
فالجواب: أن ما قد علم الله وقوعه، يجري مجرى المعاين، كقوله تعالى: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ «1» .
وفي معنى قوله: فًّا
أربعة أقوال: أحدها: أنه بمعنى جميعاً، كقوله: ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا «2» قاله مقاتل. والثاني: أن المعنى: وعُرضوا على ربِّك مصفوفين، هذا مذهب البَصريين. والثالث: أن المعنى: وعُرضوا على ربِّك صفوفاً، فناب الواحد عن الجميع، كقوله: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا «3» .
والرابع: أنه لم يَغِبْ عن الله منهم أحد، فكانوا كالصف الذي تسهل الإِحاطة بجملته، ذكر هذه الأقوال ابن الأنباري، وقد قيل: إِن كلَّ أمة وزمرة صفٌّ.
قوله تعالى: قَدْ جِئْتُمُونا
، فيه إضمار «فقال لهم» . وفي المخاطبين بهذا قولان: أحدهما:
أنهم الكُلّ. والثاني: الكُفار، فيكون اللفظ عامّاً، والمعنى خاصّا. وقوله: ما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
مفسر في الأنعام «4» . وقوله: لْ زَعَمْتُمْ
خطاب للكفّار خاصّة، والمعنى: زعمتم في الدنيالَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
للبعث، والجزاء.
قوله تعالى: وَوُضِعَ الْكِتابُ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الكتاب الذي سُطِر فيه ما تعمل الخلائق قبل وجودهم، قاله ابن عباس. والثاني: أنه الحساب، قاله ابن السائب. والثالث: كتاب الأعمال، قاله مقاتل. وقال ابن جرير: وُضع كتاب أعمال العباد في أيديهم، فعلى هذا، الكتاب اسم جنس. قوله تعالى: فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ قال مجاهد: هم الكافرون، وذكر بعض أهل العلم أن كل مجرم ذُكر في القرآن، فالمراد به: الكافر. قوله تعالى: مُشْفِقِينَ أي: خائفين مِمَّا فِيهِ من الأعمال السيئة وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا هذا قول كل واقع في هَلَكة. وقد شرحنا هذا المعنى في قوله:
يا حَسْرَتَنا «5» .
قوله تعالى: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها هذا على ظاهره في صغير الأمور وكبيرها وقد روى عكرمة عن ابن عباس، قال: الصغيرة: التبسم، والكبيرة: القهقهة، وقد يُتوهَّم أن المراد بذلك صغائر الذنوب وكبائرها، وليس كذلك، إذ ليس الضّحك والتّبسّم، بمجرّدهما من الذنوب، وإِنما المراد أن التبسم من صغار الأفعال، والضحك فعل كبير، وقد روى الضحاك عن ابن عباس، قال:
الصغيرة: التبسم والاستهزاء بالمؤمنين، والكبيرة: القهقهة بذلك فعلى هذا يكون ذنباً من الذنوب لمقصود فاعله، لا لنفسه. ومعنى «أحصاها» : عدَّها وأثبتها، والمعنى: وُجدتْ محصاة. وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً