قوله تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ قد فسّرناه في سورة بني إِسرائيل «1» .
قوله تعالى: وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا فيمن نزلت قولان: أحدهما: أنه النَّضْر بن الحارث، وكان جِداله في القرآن، قاله ابن عباس. والثاني: أُبيّ بن خلف، وكان جِداله في البعث حين أتى بعظم قد رَمَّ، فقال: أيقدر الله على إِعادة هذا؟! قاله ابن السائب «2» . قال الزجاج: كل ما يعقل من الملائكة والجن يجادل، والإِنسان أكثر هذه الأشياء جدلاً.
قوله تعالى: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا قال المفسرون: يعني: أهل مكة إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وهو محمد صلى الله عليه وسلّم، والقرآن، والإِسلام إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ وهو أنهم إِذا لم يؤمنوا عذِّبوا. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال: أحدها: ما منعهم من الإيمان إِلا طلب أن تأتيهم سُنَّة الأولين، قاله الزجاج.
والثاني: وما منع الشيطانُ الناس أن يؤمنوا إِلا لأَن تأتيهم سُنَّة الأولين، أي: منعهم رُشْدَهُم لكي يقع العذاب بهم، ذكره ابن الأنباري. والثالث: ما منعهم إِلا أنِّي قد قدَّرت عليهم العذاب. وهذه الآية فيمن قُتل ببدر وأُحُد من المشركين، قاله الواحدي «3» .
قوله تعالى: أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ ذكر ابن الأنباري في أَوْ ها هنا ثلاثة أقوال: أحدها: أنها بمعنى الواو. والثاني: أنها لوقوع أحد الشيئين، إِذ لا فائدة في بيانه. والثالث: أنها دخلت للتبعيض، أي: أنّ بعضهم يقع به هذا وبعضهم يقع به هذا وهذه الأقوال الثلاثة قد أسلفنا بيانها في قوله تعالى:
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ. قوله تعالى: قُبُلًا قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «قِبَلاً» بكسر القاف وفتح الباء. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: «قُبُلاً» بضم القاف والباء. وقد بيَّنّا عِلَّة القراءتين في سورة الأنعام «4» . وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسْعود. «قَبِيلاً» بوزن فَعِيل. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو المتوكل «قَبَلاً» بفتح القاف من غير ياء، قال ابن قتيبة: أراد استئنافاً. فإن قيل: إِذا كان المراد بسُنَّة الأولين العذاب، فما فائدة التكرار بقوله: أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ؟
فالجواب: أن سُنَّة الأولين أفادت عذابا مبهما يمكن أن يتراخى وقته، وتخلّف أنواعه، وإِتيان العذاب قُبُلاً أفاد القتل يوم بدر. قال مقاتل: «سُنَّة الأولين» : عذاب الأمم السالفة، «أو يأتيَهم العذاب قِبَلاً» ، أي: عِياناً قتلا بالسيف يوم بدر.
سورة الكهف (18) : الآيات 56 الى 59وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (58) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (59)