قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرَيْناهُ يعني: فرعون آياتِنا كُلَّها يعني: التسع الآيات، ولم ير كلَّ آية لله، لأنها لا تحصى، فَكَذَّبَ إذ نسب الآيات إِلى الكذب، وقال: هذا سِحْر وَأَبى أن يؤمن قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا يعني: مصر بِسِحْرِكَ أي: تريد أن تغلب على ديارنا بسحرك فتملكها وتخرجنا منها فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ أي: فلنقابلنَّ ما جئتَ به من السِّحر بمثله فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً أي: اضرب بيننا وبينكَ أجَلاً وميقاتاً لا نُخْلِفُهُ أي: لا نجاوزه نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً وقيل:
اجعل بيننا وبينكَ موعداً مكاناً نتواعد لحضورنا ذلك المكان، ولا يقع مِنَّا خلاف في حضوره. سُوىً قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي بكسر السين. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، وخلف، ويعقوب: «سُوىً» بضمها. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو المتوكل، وابن أبي عبلة: «مكاناً سَواءً» بالمد والهمز والنصب والتنوين وفتح السين. وقرأ ابن مسعود مثله، إِلا أنه كسر السين. قال أبو عبيدة: هو اسم للمكان النصف فيما بين الفريقين، والمعنى: مكاناً تستوي مسافته على الفريقين، فتكون مسافة كل فريق إِليه كمسافة الفريق الآخر. قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ قرأ الجمهور برفع الميم. وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن أبي عبلة، وهبيرة عن حفص بنصب الميم. وفي هذا «اليوم» أربعة أقوال:
أحدها: يوم عيد لهم، رواه أبو صالح عن ابن عباس، والسدي عن أشياخه، وبه قال مجاهد، وقتادة، وابن زيد. والثاني: يوم عاشوراء، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثالث: يوم النيروز، ووافق ذلك يوم السبت أول يوم من السنة، رواه الضحاك عن ابن عباس. والرابع: يوم سوق لهم، قاله سعيد بن جبير.
وأما رفع اليوم، فقال البصريون: التقدير: وقتُ موعدكم يومُ الزينة، فناب الموعد عن الوقت، وارتفع به ما كان يرتفع بالوقت إِذا ظهر. فأما نصبه، فقال الزجاج: المعنى: موعدُكم يقع يوم الزينة، وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ موضع «أن» رفع، المعنى: موعدكم حشر الناس ضُحًى أي: إِذا رأيتم الناس قد حُشروا ضحى. ويجوز أن تكون «أن» في موضع خفض عطفاً على الزينة، المعنى: موعدكم يوم الزينة ويوم حشر الناس ضحىً. وقرأ ابن مسعود: وابن يعمر، وعاصم الجحدري: «وأن تَحْشُر» بتاء مفتوحة ورفع الشين ونصب «الناسَ» . وعن ابن مسعود، والنخعي: «وأن يَحشُر» بالياء المفتوحة ورفع الشين ونصب «الناسَ» .
قال المفسرون: أراد بالناس: أهلَ مصر، وبالضحى: ضحى اليوم، وإِنما علَّقه بالضحى، ليتكامل ضوء الشمس واجتماع الناس، فيكون أبلغ في الحجّة وأبعد من الرّيبة.
قوله تعالى: فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فيه قولان: أحدهما: أن المعنى: تولَّى عن الحق الذي أُمِر به.
والثاني: أنه انصرف إِلى منزله لاستعداد ما يلقى به موسى، أي: مكره وحيلته ثُمَّ أَتى أي: حضر الموعد. قال لهم موسى: أي للسحرة وقد ذكرنا عددهم في الأعراف «1» .