الخَلْق في الطاعة قلَّت أو كَثُرت، لئلاَّ يَسْتَقِلُّوا القليل من العمل، ولا يتركوا اليسير منه.
سورة فاطر (35) : الآيات 32 الى 33ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33)
قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ في «ثُمَّ» وجهان: أحدهما: أنها بمعنى الواو. والثاني: أنها للترتيب. والمعنى: أنزلنا الكتب المتقدِّمة، ثُمَّ أَوْرَثْنا الكتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا وفيهم قولان: أحدهما:
أنهم أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم الأنبياء وأتباعهم، قاله الحسن. وفي الكتاب قولان: أحدهما: أنه اسم جنس، والمراد به الكتب التي أنزلها الله عزّ وجلّ، وهذا يخرَّج على القولين. فان قلنا: الذين اصطُفوا أُمَّة محمد، فقد قال ابن عباس: إنّ الله أورث أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم كلَّ كتاب أنزله. وقال ابن جرير الطبري: ومعنى ذلك: أورثهم الإِيمانَ بالكتب كلِّها- وجميع الكتب تأمر باتِّباع القرآن- فهم مؤمنون بها عاملون بمقتضاها واستدل على صحة هذا القول بأن الله تعالى قال في الآية التي قبل هذه: وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ وأتبعه بقوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ فعلمنا أنهم أُمَّةٌ محمد، إِذ كان معنى الميراث: انتقال شيء من قوم إِلى قوم، ولم تكن أُمَّةٌ على عهد نبيّنا صلى الله عليه وسلّم انتقل إِليهم كتابٌ من قوم كانوا قبلهم غير أُمَّته. فان قلنا: هم الأنبياء وأتباعهم، كان المعنى:
أَورثْنا كلَّ كتاب أُنزل على نبيٍّ ذلك النبيَّ وأتباعَه. والقول الثاني: أن المراد بالكتاب القرآن. وفي معنى «أَوْرَثْنا» قولان: أحدهما: أَعْطَيْنا، لأنَّ الميراث، عطاء، قاله مجاهد. والثاني: أخَّرْنا، ومنه الميراث، لأنه تأخّر عن الميت فالمعنى: أخَّرْنا القرآنَ عن الأُمم السالفة وأعطيناه هذه الأُمَّة، إِكراماً لها، ذكره بعض أهل المعاني.
قوله تعالى: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ فيه أربعة أقوال «1» : أحدها: أنه صاحب الصغائر (1190) روى عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «سابقُنا سابق، ومقتصدُنا ناجٍ، وظالمُنا مغفورٌ له» .
(1191) وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في هذه الآية، قال: «كلُّهم في الجنة» .