وقيل: بل بعثه الله تعالى بعد موت ملِك مصر إلى القبط. قوله تعالى: فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ أي: من عبادة الله وحده حَتَّى إِذا هَلَكَ أي: مات قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا أي: إنكم أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدِّد إِيجابَ الحجة عليكم كَذلِكَ أي: مِثْل هذا الضَّلال يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ أي: مُشْرِكٌ مُرْتابٌ أي: شاكّ في التوحيد وصدق الرّسل.
سورة غافر (40) : الآيات 35 الى 37الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (37)
قوله تعالى: الَّذِينَ يُجادِلُونَ قال الزجاج: هذا تفسير المسرف المرتاب، والمعنى: هُمْ الذين يجادِلونَ في آيات الله. قال المفسرون: يجادِلونَ في إبطالها والتكذيب بها بغير سلطان، أي: بغير حُجَّة أتتهم من الله. كَبُرَ مَقْتاً أي: كَبُرَ جدالُهم مَقْتاً عند الله وعند الذين آمنوا، والمعنى: يَمْقُتهم الله ويَمْقُتهم المؤمنون بذلك الجدال. كَذلِكَ أي: كما طَبَع اللهُ على قلوبهم حتى كذَّبوا وجادلوا بالباطل، يَطْبع عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ عن عبادة الله وتوحيده. وقد سبق بيان معنى الجبّار في هود «1» . وقرأ أبو عمرو: «على كلِّ قلبٍ» بالتنوين، وغيرُه من القرّاء السبعة يُضيفه. وقال أبو علي:
المعنى: يطبع على جملة القلب من المتكبِّر. واختار قراءة الإِضافة الزجاج، قال: لأن المتكبِّر هو الإِنسان لا القلب. فإن قيل: لو كانت هذه القراءة أصوب لتقدَّم القلبُ على الكُلِّ؟ فالجواب: أن هذا جائز عند العرب، قال الفراء: تقدُّم هذا وتأخُّره واحد، سمعتُ بعض العرب يقول: هو يرجِل شعره يومَ كل جمعة، يريد: كلَّ يوم جمعة، والمعنى واحد. وقد قرأ ابن مسعود وأبو عمران الجوني: «على قلبِ كلِّ متكبِّر» بتقديم القلب.
قال المفسرون: فلمّا وعظ المؤمنُ فرعونَ وزجره عن قتل موسى، قال فرعونُ لوزيره: يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً وقد ذكرناه في القصص «2» . قوله تعالى: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ قال ابن عباس وقتادة: يعني أبوابها. وقال أبو صالح: طرقها. وقال غيره: المعنى: لعلِّي أبلُغُ الطُّرق من سماءٍ الى سماءٍ. وقال الزجاج: لعلِّي أبلُغ ما يؤدِّيني إلى السموات. وما بعد هذا مفسَّر في القصص «3» إلى قوله تعالى: وَكَذلِكَ أي: ومِثْلُ ما وصفْنا زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عن سبيل الهدى. قرأ عاصم، وحمزة والكسائي: «وَصُدَّ» بضم الصاد، والباقون بفتحها، وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ في إبطال آيات موسى إِلَّا فِي تَبابٍ أي: في بطلان وخسران.
سورة غافر (40) : الآيات 38 الى 40وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40)