قَبْلَك
... الآية. فقال: لا أَسألُ، قد اكتَفَيْتُ، رواه عطاء عن ابن عباس، وهذا قول سعيد بن جبير، والزهري، وابن زيد، قالوا: جُمع له الرُّسل ليلةَ أُسري به، فلقَيهم، وأُمر أن يسألَهم، فما شَكّ ولا سأل. والثاني: أن المراد: اسأل مؤمني أهل الكتاب من الذين أرسلت إِليهم الأنبياء، روي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي في آخرين. قال ابن الأنباري: والمعنى سَلْ أتباع مَنْ أرسَلْنا قَبْلَكَ، كما تقول: السخاء حاِتم، أي: سخاء حاتِم، والشِّعر زهير، أي: شِعر زهير.
وعند المفسرين أنه لم يسأل على القولين. وقال الزجاج: هذا سؤال تقرير، فإذا سأل جميع الأمم، لم يأتوا بأن في كتبهم: أن اعبدوا غيري. والثالث: أن المراد بخطاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: خطابُ أُمَّته، فيكون المعنى سَلُوا، قاله الزجاج. وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ استهزاءً بها وتكذيباً.
وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها يعني ما ترادف عليهم من الطُّوفان والجراد والقُمَّل والضَّفادع والدَّم والطَّمْس «1» ، فكانت كُلُّ آية أكبرَ من التي قَبْلَها، وهي العذاب المذكور في قوله:
وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ، فكانت عذاباً لهم، ومعجزات لموسى عليه السلام. قوله تعالى: وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ، في خطابهم له بهذا ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم أرادوا: يا أيها العالِم، وكان الساحر فيهم عظيماً، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أنهم قالوه على جهة الاستهزاء، قاله الحسن.
والثالث: أنهم خاطبوه بما تقدَّم له عندهم من التَّسمية بالسّاحر، قاله الزجّاج. قوله تعالى: إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ أي: مؤمنون بك. فدعا موسى، فكُشف عنهم، فلم يؤمِنوا. وقد ذكرنا ما تركناه هاهنا في الأعراف «2» . قوله تعالى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أي: من تحت قصوري أَفَلا تُبْصِرُونَ عظَمتي وشِدَّةَ مُلكي؟! أَمْ أَنَا خَيْرٌ قال أبو عبيدة: أراد: بل أنا خَيْرٌ. وحكى الزجاج عن سيبويه والخليل أنهما قالا: عطف «أنا» ب «أمْ» على «أَفَلا تُبْصِرُونَ» فكأنه قال: أفلا تُبْصِرون أم أنتم بُصَراء؟! لأنهم إِذا قالوا:
أنتَ خيرٌ منه، فقد صاروا عنده بُصَراءَ. قال الزجاج: والمَهينِ: القليل يقال: شيء مَهِين، أي: قليل.
وقال مقاتل: «مَهِين» بمعنى ذليل ضعيف. قوله تعالى: وَلا يَكادُ يُبِينُ أشار إِلى عُقدة لسانه التي كانت به ثم أذهبها الله عنه، فكأنه عيَّره بشيءٍ قد كان وزال، ويدل على زواله قوله تعالى: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى «3» ، وكان في سؤاله وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي «4» . وقال بعض العلماء: ولا يكاد يُبِين الحُجَّة ولا يأتي ببيان يُفْهم. فَلَوْلا أي: فهلاّ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وقرأ حفص عن عاصم: «أسْوِرةٌ» بغير ألف. قال الفراء: واحد الأساوِرة إِسْوار، وقد تكون الأساوِرة جمع أسْوِرة، كما يقال في جمع الأسْقِية: الأساقي، وفي جمع الأكْرُع: الأكارِع. وقال الزجاج: يصلُح أن تكون الأساوِرة جمع الجمع، تقول: أسْوِرَة وأساوِرة، كما تقول: أقوال وأقاويل، ويجوز أن تكون جمع إسْوار، وإنما صرفتَ أساوِرة، لأنك ضممتَ الهاء إِلى أساوِر، فصار اسماً واحداً، وصار له مثال في الواحد، نحو «علانية» .