قوله تعالى: بِقادِرٍ قال أبو عبيدة والأخفش: الباء زائدة مؤكِّدة. وقال الفراء: العرب تُدخل الباءَ مع الجحد، مثل قولك: ما أظُنُّك بقائم، وهذا قول الكسائي، والزجاج: وقرأ يعقوب: «يَقْدْرُ» بياء مفتوحة مكان الباء وسكون القاف ورفع الراء من غير ألف. وما بعد هذا ظاهر إِلى قوله: كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ أي: ذَوو الحَزْم والصَّبْر وفيهم عشرة أقوال «1» :
أحدها: أنهم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد صلّى الله عليه وسلم، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة، وعطاء الخراساني، وابن السائب. والثاني: نوح، وهود، وإبراهيم، ومحمد صلى الله عليه وسلم، قاله أبو العالية الرياحي. والثالث: أنهم الذين لم تُصِبْهم فتنةٌ من الأنبياء، قاله الحسن.
والرابع: أنهم العرب من الأنبياء، قاله مجاهد، والشعبي. والخامس: أنهم إبراهيم، وموسى، وداود، وسليمان، وعيسى، ومحمّد صلّى الله عليه وسلم، قاله السدي. والسادس: أن منهم إِسماعيل، ويعقوب وأيُّوب، وليس منهم آدم، ولا يونس، ولا سليمان، قاله ابن جريج. والسابع: أنهم الذين أُمروا بالجهاد والقتال، قاله ابن السائب، وحكي عن السدي. والثامن: أنهم جميع الرُّسل، فإن الله لم يَبْعَثْ رسولاً إِلاّ كان من أُولي العزم، قاله ابن زيد، واختاره ابن الأنباري، وقال: «مِنْ» دخلتْ للتجنيس لا للتبعيض، كما تقول: قد رأيتُ الثياب من الخَزِّ والجِباب من القَزِّ. والتاسع: أنهم الأنبياء الثمانية عشر المذكورون في سورة (الأنعام) ، قاله الحسين بن الفضل. العاشر: أنهم جميع الأنبياء إِلاّ يونس، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ يعني العذاب، قال بعض المفسّرين: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضَجِر بعض الضَّجَر، وأحبَّ أن ينزل العذاب بمن أبى من قومه، فأُمر بالصَّبر.
قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ أي: من العذاب لَمْ يَلْبَثُوا في الدنيا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ لأن ما مضى كأنه لم يكن وإن كان طويلاً. وقيل: لأن مقدار مَكْثهم في الدُّنيا قليلٌ في جَنْبِ مَكْثهم في عذاب الآخرة. وهاهنا تم الكلام. ثم قال: بَلاغٌ أي: هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغٌ عن الله إِليكم. وفي معنى وَصْفِ القرآنِ بالبلاغ قولان: أحدهما: أن البلاغ بمعنى التبليغ. والثاني: أن معناه: الكفاية، فيكون المعنى: ما أخبرناهم به لهم فيه كفايةٌ وغِنىً.
وذكر ابن جرير وجهاً آخر، وهو أن المعنى: لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعةً من نهار، ذلك لُبْث بلاغ، أي:
ذلك بلاغ لهم في الدنيا إِلى آجالهم، ثُمَّ حُذفتْ «ذلك لُبْث» اكتفاءً بدلالة ما ذُكِر في الكلام عليها. وقرأ أبو العالية، وأبو عمران: «بَلِّغْ» بكسر اللام وتشديدها وسكون الغين من غير ألف.
قوله تعالى: فَهَلْ يُهْلَكُ وقرأ أبو رزين وأبو المتوكل وابن محيصن: «يَهْلِكُ» بفتح الياء وكسر اللام، أي عند رؤية العذاب إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ الخارجون عن أمر الله عزّ وجلّ؟!.