قوله تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ
... الآية، في سبب نزولها قولان:
(1317) أحدهما: ما روى البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث أنس بن مالك قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو أتيت عبد الله بن أُبيٍّ، فركب حماراً وانطلق معه المسلمون يمشون، فلمّا أتاه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: إليك عني، فو الله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: واللهِ لحمارُ رسولِ الله أطيبُ ريحاُ منك، فغضب لعبد الله رجلٌ من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابُه، فكان بينهم ضربٌ بالجريد والأيدي والنِّعال، فبلغَنا أنه أُنزلت فيهم «وإِن طائفتان
... » الآية.
(1318) وقد أخرجا جميعاً من حديث أسامة بن زيد أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج يعود سعد بن عبادة، فمرَّ بمجلس فيهم عبدُ الله بن أُبيّ، وعبدُ الله بن رواحة، فخمَّر ابنُ أُبيّ وجهه بردائه، وقال: لا تغبِّروا علينا، فذكر الحديث، وأن المسلمين والمشركين واليهود استَبُّوا. وقد ذكرت الحديث بطوله في «المغني» و «الحدائق» .
(1319) وقال مقاتل: وقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الأنصار وهو على حمار له، فبال الحمار، فقال عبد الله بن أُبيٍّ: أف، وأمسك على أنفه، فقال عبد الله بن رواحة: واللهِ لَهُوَ أطيبُ ريحاً منك، فكان بين قوم ابن أُبيُّ وابن رواحة ضرب بالنِّعال والأيدي والسَّعَف، ونزلت هذه الآية.
(1320) والقول الثاني: أنها نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مُماراة في حقِّ بينهما، فقال أحدهما: لآخذنَّ حقي عَنوة، وذلك لكثرة عشيرته، ودعاه الآخر ليحاكمه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يزل الأمر بينهما حتى تناول بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال، قاله قتادة.
وقال مجاهد: المراد بالطائفتين: الأوس والخزرج اقتتلوا بالعصي بينهم. وقرأ أبي بن كعب، وابن مسعود، وأبو عمران الجوني: «اقتتلا» على فعل اثنين مذكَّرين. وقرأ أبو المتوكل الناجي، وأبو الجون، وابن أبي عبلة: «اقتتلتا» بتاء وألف بعد اللام على فعل اثنين مؤنثتين. وقال الحسن وقتادة والسدي فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما «1» بالدعاء إِلى حكم كتاب الله عزّ وجلّ والرضى بما فيه لهما وعليهما