إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ.
(1380) وروى مسلم في أفراده من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «كُلُّ شيء بقدرٍ حتى العَجْزُ والكَيْسُ» .
وقال ابن عباس: كل شيء بقدرٍ حتى وضعُ يدك على خدِّك. وقال الزجّاج: معنى «بقَدَرٍ» أي:
كل شيء خلقناه بقدرٍ مكتوبٍ في اللوح المحفوظ قبل وقوعه، ونصب «كُلَّ شيءٍ» بفعل مضمر المعنى: إنّا خلقنا كلَّ شيء خلقناه بقَدرٍ.
قوله تعالى: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ قال الفراء: أي: إلاّ مرَّة واحدة، وكذلك قال مقاتل: مرَّة واحدة لا مثنوّية لها. وروى عطاء عن ابن عباس قال: يريد: إِن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر. وقال ابن السائب: المعنى: وما أمرنا بمجيء الساعة في السُّرعة إلاّ كلَمْح البصر. ومعنى اللَّمْح بالبصر: النَّظر بسرعة. وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ أي: أشباهكم ونُظَراءكم في الكُفر من الأمم الماضية فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أي مُتَّعظ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ يعني الأمم. وفي الزُّبُرِ قولان: أحدهما: أنه كُتُب الحَفَظة. والثاني: اللَّوح المحفوظ. وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ أي: من الأعمال المتقدِّمة مُسْتَطَرٌ أي:
مكتوب، قال ابن قتيبة: هو «مُفْتَعَلٍ من «سَطَرْتُ» : إذا كتبت، وهو مثل «مَسْطُور» . قوله تعالى: فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ قال الزجّاج: المعنى: في جنّات وأنهار، والاسم الواحد يَدلُّ على الجميع، فيجتزأ به من الجميع. أنشد سيبويه والخليل:
بِها جِيَفُ الْحَسْرَى، فأَمّا عِظامُها
... فَبِيضٌ وأَمّا جِلْدُها فَصَلِيبُ
يريد: وأمّا جلودها، ومثله:
في حَلْقِكُم عَظْمٌ وقد شجينا
ومثله:
كُلُوا في نِصْفِ بَطْنِكُمُ تَعِيشُوا
وحكى ابن قتيبة عن الفراء أنه وُحِّد لأنه رأسُ آية، فقابل بالتوحيد رؤوس الآي، قال: ويقال:
النَّهَر: الضِّياء والسَّعة، من قولك: أنْهَرْتُ الطعنة: إِذا وسَّعْتَها، قال قيس بن الخَطِيم يصف طعنة:
مَلَكْتُ بها كَفِّي فأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا
... يَرَى قائمٌ مِنْ دُونِها ما وراءَها
أي: أوسعتُ فَتْقَها. قلت: وهذا قول الضحاك. وقرأ الأعمش «ونُهُرٍ» .
قوله تعالى: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ أي: مَجلِس حسن وقد نبَّهْنا على هذا المعنى في قوله: أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ «1» . فأمّا المَلِيك، فقال الخطابي: المَلِيك: هو المالك، وبناء فَعِيل للمُبالغة في الوصف، ويكون المَلِيك بمعنى المَلِك، ومنه هذه الآية. والمُقْتَدِر مشروح في الكهف «2» .