وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ الآية «1» ، هذا قول قتادة ويزيد بن رومان. وذهب قوم إلى أنّ هذا الفيء: ما أخذ من أموال المشركين ما لم يوجف عليه من خيل ولا ركاب، كالصلح، والجزية، والعشور، ومال من مات منهم في دار الإسلام ولا وارث له، فهذا كان يقسم في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خمسة أخماس، فأربعة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يفعل بها ما يشاء، والخمس الباقي للمذكورين في هذه الآية.
واختلف العلماء فيما يصنع بسهم الرسول بعد موته على ما بيّنّاه في الأنفال، فعلى هذا تكون هذه الآية مبيّنة لحكم الفيء، والتي في الأنفال «2» مبيّنة لحكم الغنيمة، فلا يتوجه النسخ.
قوله تعالى: كَيْ لا يَكُونَ يعني الفيء دُولَةً وهو اسم للشيء يتداوله القوم. والمعنى: لئلّا يتداوله الأغنياء بينهم فيغلبون الفقراء عليه. قال الزجاج: الدُّولة: اسم الشيء يتداول. والدَّولة، بالفتح:
الفعل والانتقال من حال إلى حال وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ من الفيء فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عن أخذه فَانْتَهُوا وهذا نزل في أمر الفيء، وهو عام في كل ما أمر به، ونهى عنه. قال الزجاج: ثم بين مَن المساكين الذين لهم الحقّ، فقال عزّ وجلّ: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ قال المفسرون:
يعني بهم المهاجرين يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ أي: رزقاً يأتيهم وَرِضْواناً رضى ربهم حين خرجوا إلى دار الهجرة أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ في إِيمانهم. ثم مدح الأنصار حين طابت نفوسهم عن الفيء، فقال تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ يعني: دار الهجرة، وهي المدينة وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ فيها تقديم وتأخير، تقديره: والذين تبوءوا الدار من قبلهم، أي: من قبل المهاجرين، والإيمان عطف على «الدار» في الظاهر، لا في المعنى، لأن «الإيمان» ليس بمكان يُتَبَوَّأُ، وإنما تقديره: وآثروا الإيمان، وإِسلام المهاجرين قبل الأنصار، وسكنى الأنصار المدينة قبل المهاجرين. وقيل: الكلام على ظاهره، والمعنى: تبوّءوا الدار والإيمان قبل الهجرة يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وذلك أنهم شاركوهم في منازلهم، وأموالهم وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً أي: حسداً وغيظاً مما أوتي المهاجرون. وفيما أوتوه قولان: أحدهما: مال الفيء، قاله الحسن. وقد ذكرنا آنفا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين، ولم يعط من الأنصار غير ثلاثة نفر. والثاني: الفضل والتقدّم، ذكره الماورديّ.
قوله عزّ وجلّ: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ يعني الأنصار يؤثرون المهاجرين على أنفسهم بأموالهم ومنازلهم وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ أي فقر وحاجة، فبيّن الله عزّ وجلّ أن إيثارهم لم يكن عن غنى. وفي سبب نزول هذا الكلام قولان:
(1420) أحدهما: أن رجلا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد أصابه الجهد، فقال: يا رسول الله، إني جائع فأطعمني، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى أزواجه: هل عندكنَّ شيء؟ فكلُّهن قلن: والذي بعثك بالحقّ