قوله تعالى: ذلِكَ أي: ذلك الكذب بِأَنَّهُمْ آمَنُوا باللسان ثُمَّ كَفَرُوا في السِّرِّ فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ الإِيمان والقرآن وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ يعني: أن لهم أجساماً ومناظر.
(1452) قال ابن عباس: كان عبد الله بن أُبَيّ جسيماً فصيحاً، ذَلْقَ «1» اللسان، فإذا قال، سمع النبيّ صلّى الله عليه وسلم قوله. وقال غيره: المعنى: يصغي إلى قولهم، فيحسب أنه حق كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: وحمزة: «خُشُبٌ» بضم الخاء، والشين جميعاً، وهو جمع خشبة. مثل ثمرة، وثمر. وقرأ الكسائيّ: خشب بضم الخاء، وتسكين الشين، مثل: بَدَنَةٍ، وبُدْنٍ، وأَكَمَةٍ، وأُكْمِ. وعن ابن كثير، وأبي عمرو، مثله. وقرأ أبو بكر الصديق، وعروة، وابن سيرين:
«خَشَبٌ» بفتح الخاء، والشين جميعاً. وقرأ أبو نهيك، وأبو المتوكّل، وأبو عمران خشب بفتح الخاء، وإسكان الشين، فوصفهم الله بحسن الصّور، وإبانة النّطق، ثم أعلم أنهم في ترك التفهُّم والاستبصار بمنزلة الخُشُب. والمُسَنَّدة: الممالة إلى الجدار. والمراد: أنها ليست بأشجار تثمر وتنمي، بل هي خُشُبٌ مُسَنَّدةٌ إلى حائط. ثم عابهم بالجبن فقال عزّ وجلّ: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ أي: لا يسمعون صوتاً إلا ظنوا أنهم قد أُتوا لما في قلوبهم من الرعب أن يكشف الله أسرارهم، وهذه مبالغة في وصفهم بالجبن. وأنشدوا في هذا المعنى:
وَلَوْ أَنَّها عُصْفُورَةٌ لحَسِبْتَها
... مُسَوَّمةً تدعو عُبيْداً وَأَزْنَما «2»
أي: لو طارت عصفورة لحسبتها من جبنك خيلاً تدعو هاتين القبيلتين.
قوله عزّ وجلّ: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ أن تأمنهم: ولا تأمنهم على سِرِّك، لأنهم عيون لأعدائك من الكفار. قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ مفسر في براءة «3» .
سورة المنافقون (63) : الآيات 5 الى 8وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8)
قوله عزّ وجلّ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ قد بيَّنَّا سببه في نزول السورة «4» لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وقرأ نافع، والمفضل عن عاصم، ويعقوب: «لَوَوْا» بالتخفيف. واختار أبو عبيد التشديد.