تفخيم القصة، كما يقولون: أيُّ شيء زيد؟ إذا أردت تعظيم شأنه. ثم بيَّن ما الذي يتساءلون عنه، فقال عزّ وجلّ: عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ يعني: عن الخبر العظيم الشأن. وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: القرآن، قاله مجاهد، ومقاتل، والفراء. قال الفراء: فلما أجاب صارت «عم» كأنها في معنى: لأي شيءٍ يتساءلون عن القرآن. والثاني: البعث، قاله قتادة. والثالث: أنه أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلم، حكاه الزّجّاج.
قوله عزّ وجلّ: الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ من قال: إنه القرآن، فإن المشركين اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو سحر، وقال بعضهم: هو شعر، وقال بعضهم: أساطير الأولين، إلى غير ذلك. وكذلك من قال: هو أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلم. فأما من قال: إنه البعث والقيامة، ففي اختلافهم فيه قولان:
أحدهما: أنهم اختلفوا فيه لما سمعوا به، فمنهم من صدَّق وآمن، ومنهم من كذَّب، وهذا معنى قول قتادة. والثاني: أن المسلمين والمشركين اختلفوا فيه، فصدَّق به المسلمون، وكذَّب به المشركون، قاله يحيى بن سلام.
قوله عزّ وجلّ: كَلَّا قال بعضهم: هي ردع وزجر. وقال بعضهم: هي نفي لاختلافهم، والمعنى: ليس الأمر على ما قالوا، سَيَعْلَمُونَ عاقبة تكذيبهم حين ينكشف الأمر ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ وعيد على إثر وعيد. وقرأ ابن عامر «ستعلمون» في الحرفين بالتاء. ثم ذكر صنعه ليعرفوا توحيده، فقال عزّ وجلّ: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً أي: فراشاً وبساطاً وَالْجِبالَ أَوْتاداً للأرض لئلا تميد وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً أي: أصنافاً، وأضداداً، ذكوراً، وإناثاً، سوداً وبيضاً، وحمراً وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً قال ابن قتيبة: أي: راحة لأبدانكم. وقد شرحنا هذا في الفرقان «1» وشرحنا هناك قوله عزّ وجلّ: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً.
قوله عزّ وجلّ: وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً أي: سبباً لمعاشكم. والمعاش: العيش، كلّ شيء يُعَاشُ به، فهو مَعَاشٌ. والمعنى: جعلنا النهار مطلباً للمعاش. وقال ابن قتيبة: معاشاً، أي: عيشاً، وهو مصدر وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً قال مقاتل: هي السموات، غِلظ كل سماءٍ مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين مثل ذلك وهي فوقكم يا بني آدم. فاحذروا أن تعصوا فتخرّ عليكم.
قوله عزّ وجلّ: وَجَعَلْنا سِراجاً يعني: الشمس وَهَّاجاً قال ابن عباس: هو المضيء. وقال اللغويون: الوهَّاج: الوقَّاد. وقيل: الوهّاج يجمع النّور والحرارة.
قوله عزّ وجلّ: وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها السموات، قاله أُبَيّ بن كعب، والحسن، وابن جبير. والثاني: أنها الرّياح، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة ومقاتل. قال زيد بن أسلم: هي الجنوب. فعلى هذا القول تكون «من» بمعنى «الباء» ، وتقديره: بالمعصرات. وإنما قيل للرياح: معصرات، لأنها تستدرُّ المطر. والثالث: أنها السحاب، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال أبو العالية. والضحاك، والربيع، قال الفراء: السحابة المعصر: التي تتحلَّب بالمطر ولما يجتمع، مثل الجارية المعصر، قد كادت تحيض، ولما تحضْ. وكذلك قال ابن قتيبة: شبِّهت السحاب بمعاصير الجواري، والمُعصِرُ: الجارية التي قد دنت من الحيض. وقال