سورة آل عمران (3) : آية 125بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)
قوله تعالى: وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا فيه قولان: أحدهما: أن معناه: من وجههم وسفرهم هذا، قاله ابن عباس والحسن، وقتادة ومقاتل، والزجاج. والثاني: من غضبهم هذا، قاله عكرمة، ومجاهد، والضحاك في آخرين. قال ابن جرير: من قال: من وجههم، أراد ابتداء مخرجهم يوم بدر، ومن قال:
من غضبهم أراد ابتداء غضبهم لقتلاهم يوم بدر. وأصل الفور ابتداء الأمر يؤخذ فيه، يقال: فارت القدر: إذ ابتداء ما فيها بالغليان، ثم اتصل. وقال ابن فارس: الفور: الغليان، يقال: فارت القدر تفور، وفار غضبه: إذا جاش، ويقولون: فعله من فوره، أي: قبل أن يسكن. وفي يوم فورهم قولان:
أحدهما: أنه يوم بدر، قاله قتادة. والثاني: يوم أُحد، قال مجاهد، والضحاك: كانوا غضبوا يوم أُحد ليوم بدر مما لقوا.
قوله تعالى: مُسَوِّمِينَ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم بكسر الواو، والباقون بفتحها، فمن فتح الواو، أراد أن الله سوَّمها، ومن كسرها، أراد أن الملائكة سومت أنفسها. وقال الأخفش: سوّمت خيلها. وفي الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال يوم بدر:
(204) «سوموا فإن الملائكة قد سومت» ونسب الفعل إليها، فهذا دليل الكسر.
قال ابن قتيبة: ومعنى مسومين: معلمين بعلامة الحرب، وهو من السّيماء، والسومة: العلامة التي يعلم بها الفارس نفسه. قال عليّ عليه السلام: وكان سيماء خيل الملائكة يوم بدر، الصوف الأبيض في أذنابها ونواصيها. وقال أبو هريرة: العهن الأحمر. وقال مجاهد: كانت أذناب خيولهم مجزوزة، وفيها العهن. وقال هشام بن عروة: كانت الملائكة على خيل بلق، وعليهم عمائم صفر.
(205) وروى ابن عباس عن رجل من بني غفار قال: حضرت أنا وابن عم لي بدراً، ونحن على شركنا، فأقبلت سحابة، فلما دنت من الجبل سمعنا فيها حمحمة الخيل، وسمعنا فارساً يقول: أقدم حيزوم، فأما صاحبي فمات مكانه، وأما أنا فكدت أهلك، ثم انتعشت.
(206) وقال أبو داود المازني: إني لأتبع يوم بدر رجلاً من المشركين لأضربه، فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أن غيري قد قتله.