قوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي: أنعم عليهم. و «أنفسهم» : جماعتهم، وقيل:
نسبَهم. وقرأ الضحاك، وأبو الجوزاء: (من أنفَسهم) بفتح الفاء. وفي وجه الامتنان عليهم بكونه من أنفسهم أربعة أقوال: أحدها: لكونه معروف النسب فيهم، قاله ابن عباس، وقتادة. والثاني: لكونهم قد خبروا أمره، وعلموا صدقه، قاله الزجاج. والثالث: ليسهل عليهم التعلم منه، لموافقة لسانه للسانهم، قاله أبو سليمان الدمشقي. والرابع: لأن شرفهم يتم بظهور نبي منهم، قاله الماوردي. وهل هذه الآية خاصة أم عامة؟ فيه قولان: أحدهما: أنها خاصة للعرب. روي عن عائشة والجمهور. والثاني: أنها عامة لسائر المؤمنين، فيكون المعنى أنه ليس بملكٍ، ولا من غير بني آدم، وهذا اختيار الزجاج. وقد سبق في (البقرة) بيان باقي الآية.
سورة آل عمران (3) : آية 165أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)
قوله تعالى: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ، قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: لما كان يوم أُحد، عوقبوا بما صنعوا يوم بدر، من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفرّ أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فنزلت هذه الآية إلى قوله تعالى قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ قال: بأخذكم الفداء.
قوله تعالى أَوَلَمَّا قال الزجاج: هذه واو النسق، دخلت عليها ألف الاستفهام، فبقيت مفتوحة على هيئتها قبل دخولها، ومثل ذلك قول القائل: تكلم فلان بكذا وكذا فيقول المجيب له: أو هو ممن يقول ذلك؟ فأما «المصيبة» فما أصابهم يوم أُحد، وكانوا قد أصابوا مثليها من المشركين يوم بدر، لأنهم قتل منهم سبعون، فقتلوا يوم بدر سبعين، وأسروا سبعين، وهذا قول ابن عباس، والضحاك، وقتادة، والجماعة، إلا أن الزجاج قال: قد أصبتم يوم أُحد مثلها، ويوم بدر مثلها، فجعل المثلين في اليومين.
قوله تعالى: أَنَّى هذا، قال ابن عباس: من أين أصابنا هذا ونحن مسلمون؟
قوله تعالى: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن معناه: بأخذكم الفداء يوم بدر، قاله عمر بن الخطاب.
(235) وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: جاء جبريل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إن الله قد كره ما صنع قومك من أخذهم الفداء، وقد أمرك أن تخيِّرهم بين أن يضربوا أعناق الأسارى، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يُقتل منهم عدَّتهم، فذكر ذلك للناس، فقالوا: عشائرنا وإخواننا، بل نأخذ منهم الفداء، ويستشهد منا عدّتهم، فقتل منهم يوم أُحد سبعون، عدد أسارى بدر، فعلى هذا يكون المعنى: قل هو بأخذكم الفداءَ، واختياركم القتل لأنفسكم.
والثاني: أنه جرى ذلك بمعصية الرماة يوم أُحد، وتركهم أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قاله ابن عباس،