تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ وقال: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ يعني: الحرائر. والمحصنات: العفائف. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ يعني العفائف وقال تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها أي: عفّت. وفي المراد بالمحصنات هنا ثلاثة أقوال: أحدها: ذوات الأزواج. وهذا قول ابن عباس. وسعيد بن المسيب والحسن، وابن جبير، والنخعي، وابن زيد، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج. والثاني: العفائف: فإنهن حرام على الرجال إلا بعقد نكاح، أو ملك يمين. وهذا قول عمر بن الخطاب، وأبي العالية، وعطاء، وعبيدة، والسدي. والثالث: الحرائر، فالمعنى: أنهن حرام بعد الأربع اللواتي ذُكِرْنَ في أول السورة، روي عن ابن عباس، وعبيدة.
فعلى القول الأول في معنى قوله تعالى: إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قولان: أحدهما: أن معناه:
إِلاَّ ما ملكت أيمانكم من السبايا في الحروب، وعلى هذا تأوَّلَ الآية عليٌ، وعبد الرحمن بن عوف، وابن عمر، وابن عباس، وكان هؤلاء لا يرون بيع الأمة طلاقاً. والثاني: إِلا ما ملكت أيمانكم من الإِماء ذوات الأزواج، بسبي أو غير سبي، وعلى هذا تأوَّلَ الآية ابنُ مسعود، وأُبيُّ بن كعب، وجابر، وأنس.
وكان هؤلاء يرون بيع الأمة طلاقاً. وقد ذكر ابن جرير، عن ابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن:
أنهم قالوا: بيع الأمة طلاقها، والأول أصح.
(269) لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم خيّر بريرة إِذ أعتقتها عائشة، بين المقام مع زوجها الذي زوَّجها منه سادتُها في حال رقّها، وبين فراقه، ولم يجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم عتق عائشة إِيّاها طلاقاً، ولو كان طلاقاً لم يكن لتخييره إِياها معنى. ويدل على صحة القول الأول ما ذكرناه من سبب نزول الآية.
وعلى القول الثاني: العفائف حرام إِلا بملك، والملك يكون عقداً، ويكون ملك يمين.
وعلى القول الثالث: الحرائِر حرام بعد الأربع إِلا ما ملكت أيمانكم من الإِماء، فانهن لم يُحصَرن بعدد.
قوله تعالى: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ قال الزجاج: هو منصوب على التوكيد، محمول على المعنى، لأن معنى «حرمت عليكم أمهاتكم» : كتب الله عليكم هذا كتاباً، قال: ويجوز أن ينتصبَ على جهة الأمر، ويكون «عليكم» مفسراً له، فيكون المعنى: إلزموا كتاب الله. قال: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أي: ما بعد هذه الأشياء، إِلا أن السُّنة قد حرَّمت تزويج المرأة على عمتها، وتزويجها على خالتها «1» .
وقرأ ابن السميفع، وأبو عمران: «كتب الله عليكم» بفتح الكاف، والتاء، والباء، من غير ألف، ورفع