أحدها: شهيداً لك بأنك رسوله، قاله مقاتل. والثاني: على مقالتهم، قاله ابن السائب. والثالث: لك بالبلاغ، وعليهم بالتكذيب والنفاق، قاله أبو سليمان الدمشقي.
فان قيل: كيف عاب الله هؤلاء حين قالوا: إِن الحسنة من عند الله، والسيئة من عند النبي عليه السلام، وردّ عليهم بقوله تعالى: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثم عاد فقال: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ فهل قال القوم إِلا هكذا؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أنهم أضافوا السّيئة إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تشاؤماً به، فردّ عليهم، فقال: كلٌ بتقدير الله. ثم قال: ما أصابك من حسنة، فمن الله، أي: من فضله، وما أصابك من سيئة، فبذنبك، وإِن كان الكل من الله تقديراً. والثاني: أن جماعة من أرباب المعاني قالوا: في الكلام محذوف مقدّر، تقديره: فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً، يقولون: ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك. فيكون هذا من قولهم. والمحذوف المقدّر في القرآن كثير، ومنه قوله تعالى: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا «1» أي: يقولان: ربنا. ومثله أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ «2» أي: فحلق، ففدية. ومثله فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ «3» أي: فيقال لهم. ومثله وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ «4» أي: يقولون سلام. ومثله أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ «5» أراد: لكان هذا القرآنَ. ومثله وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «6» أراد: لعذّبكم. ومثله رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا أي: يقولون. وقال النَّمِرُ بنُ تولب:
فإنَّ المنيَّة من يخشَها
... فَسَوْفَ تُصَادِفُه أينما
أراد: أينما ذهب. وقال غيره:
فأُقْسِمُ لَوْ شيءٌ أتانا رسولُه
... سواكَ وَلكِن لم نجد لَك مدفعا «7»
أراد: لرددناه.
سورة النساء (4) : آية 80مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80)
قوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ سبب نزولها:
(317) أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أطاعني، فقد أطاع الله، ومن أحبني، فقد أحب الله» فقال المنافقون: لقد قارب هذا الرجل الشرك، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.