الهجرة باق، واعلم أن الناس في الهجرة على ثلاثة أضرب: أحدها: من تجب عليه، وهو الذي لا يقدر على إِظهار الإِسلام في دار الحرب، خوفاً على نفسه، وهو قادرٌ على الهجرة، فتجب عليه لقوله أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها «1» . والثاني: من لا تجب عليه بل تستحب له، وهو من كان قادراً على إِظهار دينه في دار الحرب. والثالث: من لا تستحب له وهو الضعيف الذي لا يقدر على إِظهار دينه، ولا على الحركة كالشيخ الفاني، والزّمِن، فلم تستحب له للحوق المشقّة.
سورة النساء (4) : آية 90إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90)
قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ هذا الاستثناء راجع إِلى القتل، لا إِلى الموالاة وفي «يصلون» قولان: أحدهما: أنه بمعنى يتّصلون ويلجئون.
(329) قال ابن عباس: كان هلال بن عويمر الأسلمي وادع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أن لا يعينه ولا يعين عليه. فكان من وصل إِلى هلال من قومه وغيرهم، فلهم من الجوار مثل ما لهلال.
والثاني: أنه بمعنى ينتسبون، قاله ابن قتيبة، وأنشد.
إِذا اتَّصلَتْ قالتْ أبكرَ بنَ وائلٍ
... وبكرٌ سَبَتْها والأنوفُ رواغمُ
يريد: إِذا انتسبت، قالت: أبكراً، أي: يا آل بكر.
وفي القوم المذكورين أربعة أقوال: أحدها: أنهم بنو بكر بن زيد مناة، قاله ابن عباس. والثاني:
أنهم هلال بن عويمر الأسلمي، وسراقة بن مالك، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف، قاله عكرمة.
والثالث: أنهم بنو مدلج، قاله الحسن. والرابع: خزاعة وبنو مدلج، قاله مقاتل. قال ابن عباس:
«والميثاق» : العهد.
قوله تعالى: أَوْ جاؤُكُمْ فيه قولان: أحدهما: أن معناه: أو يصلون إلى قوم جاءوكم، قاله الزجاج في جماعة. والثاني: أنه يعود إِلى المطلوبين للقتل. فتقديره: أو رجعوا فدخلوا فيكم، وهو بمعنى قول السدي. قوله تعالى: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ فيه قولان: أحدهما: أن فيه إِضمار «قد» .
والثاني: أنه خبرٌ بعد خبر، فقوله جاؤُكُمْ: خبرٌ قد تم، وحصِرت: خبرٌ مستأنف، حكاهما