قوله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ.
(371) قال مسروق: لما نزلت لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ قال أهل الكتاب: نحن وأنتم سواء، فنزلت وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ، وهذه تدل على ارتباط الإِيمان بالعمل الصالح، فلا يقبل أحدهما إِلاّ بوجود الآخر، وقد سبق ذكر «النّقير» .
سورة النساء (4) : آية 125وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (125)
قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ قال ابن عباس: خيّر الله بين الأديان بهذه الآية. وأَسْلَمَ بمعنى: أخلص. وفي «الوجه» قولان: أحدهما: أنه الدين. والثاني: العمل. وفي الإحسان قولان: أحدهما: أنه التوحيد، قاله ابن عباس. والثاني: القيام لله بما فرض الله، قاله أبو سليمان الدمشقي. وفي اتِّباع ملة إِبراهيم قولان: أحدهما: اتباعه على التوحيد والطاعة. والثاني: اتباع شريعته، اختاره القاضي أبو يعلى.
فأما الخليل، فقال ابن عباس: الخليل الصفي، وقال غيره: المصافي، وقال الزجاج: هو المُحبُّ الذي ليس في محبّته خلل. قال: وقيل: الخليل: الفقير، فجائِز أن يكون إبراهيم سُمّي خليل الله بأنه أحبّه محبةً كاملةً، وجائِز أن يكون لأنه لم يجعل فقرَه وفاقته إِلاّ إِليه، و «الخُلّة» : الصداقة، لأن كلَّ واحد يسدُّ خلل صاحبه، و «الخَلة» بفتح الخاء: الحاجة: سُميت خَلَّة للاختلال الذي يلحق الانسان فيما يحتاج إِليه، وسمي الخَلّ الذي يؤكل خلاً، لأنه اختلّ منه طعم الحلاوة. وقال ابن الأنباري:
الخليل: فعيل من الخُلة، والخلّة: المودّة. وقال بعض أهل اللغة: الخليل، المحب، والمحب الذي ليس في محبته نقص ولا خلل، والمعنى: أنه كان يحبُ الله، ويحبهُ الله محبة لا نقص فيها، ولا خلل، ويقال: الخليل: الفقير، فالمعنى: اتّخذه فقيرا ينزل فقره وفاقته به، لا بغيره. وفي سبب اتخاذ الله له خليلاً ثلاثة أقوال: أحدها: أنه اتخذه خليلاً لإِطعامه الطعام.
(372) روى عبد الله بن عمرو عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يا جبريل، لم اتخذ الله إِبراهيم خليلا؟
قال: لإِطعامه الطعام» .
(373) والثاني: أن الناس أصابتهم سنَة فأقبلوا إِلى باب إِبراهيم يطلبون الطعام، وكانت له مِيرَة من صديق له بمصر في كل سنة، فبعث غلمانه بالإِبل إِلى صديقه، فلم يعطهم شيئا، فقالوا: لو احتملنا