والثاني: أن المشركين كانوا إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا فيما بينهم: إنه لَنبي، فنزلت هذه الآية قاله أبو صالح «1» .
(507) والثالث: أن أبا جهل قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك، ولكن نُكذب الذي جئت به، فنزلت هذه الآية، قاله ناجية بن كعب.
(508) وقال أبو يزيد المدني: لقي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل، فصافحه أبو جهل فقيل له:
أتصافح هذا الصابئ؟ فقال: والله إني لأعلم أنه نبي، ولكن متى كنا تبعاً لبني عبد مناف؟ فأنزل الله هذه الآية.
(509) والرابع: أن الأخنس بن شريق لقي أبا جهل فقال الأخنس: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد، أصادق هو، أم كاذب؟ فليس ها هنا من يسمع كلامك غيري. فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادق، وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء، والسقاية، والحجابة، والنُّبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ فنزلت هذه الآية، قاله السّدّيّ، ذكره الطبريّ مطوّلا.
فأما الذي يقولون، فهو التّكذيب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، والكفر بالله. وفي الآية تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم وتعزية عما يواجهونه به.
قوله تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ قرأ نافع، والكسائي: «يُكْذِبُونَك» بالتخفيف وتسكين الكاف.
وفي معناها قولان: أحدهما: لا يُلْفُونَك كاذباً قاله ابن قتيبة. والثاني: لا يكذِّبون الشيء الذي جئت به، إنما يجحدون آياتِ الله، ويتعرَّضون لعقوباته. قال ابن الأنباري: وكان الكسائي يحتج لهذه القراءة بأن العرب تقول: كذبْتُ الرجل: إذا نسبْتَه إلى الكذب وصنعة الأباطيل من القول وأكذبتُه: إذا أخبرتَ أن الذي يحدث به كذب، ليس هو الصانع له. قال: وقال غير الكسائي: يقال: أكذبتُ الرجل: إذا أدخلتَه في جملة الكذابين، ونسبتَه إلى صفتهم، كما يقال: أبخلتُ الرجل: إذا نسبتَه إلى البخل، وأجبنتُه: إذا وجدتَه جبانا. قال الشاعر:
فَطَائِفَةٌ قَدْ أكْفَرُونِي بِحُبِّكُمْ
... وَطَائِفَةٌ قالوا مُسِيءٌ ومذنب «2»