(547) والثاني: أن المسلمين كانوا يسبون أوثان الكفار، فيردون ذلك عليهم، فنهاهم الله تعالى أن يستسبوا لربهم قوماً جهلة لا علم لهم بالله، قاله قتادة.
ومعنى «يدعون» : يعبدون، وهي الأصنام. فَيَسُبُّوا اللَّهَ أي: فيسبوا من أمركم بعيبها، فيعود ذلك إلى الله تعالى، لا أنهم كانوا يصرحون بسب الله تعالى، لأنهم كانوا يقرون أنه خالقهم، وإن أشركوا به. وقوله تعالى: عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ، أي: ظلماً بالجهل. وقرأ يعقوب: «عُدُوّاً» ، بضم العين والدال وتشديد الواو. والعرب تقول في الظلم: عدا فلان عَدْواً وعُدُوّاً وعُدواناً. وعدا، أي: ظلم.
قوله تعالى: كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ أي: كما زينا لهؤلاء المشركين عبادة الأصنام، وطاعة الشيطان، كذلك زينا لكل جماعة اجتمعت على حق أو باطل عملهم من خير أو شر. قال المفسرون:
وهذه الآية نسخت بتنبيه الخطاب في آية السيف.
سورة الأنعام (6) : آية 109وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109)
قوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ في سبب نزولها قولان:
(548) أحدهما: أنه لما نزل في (الشعراء) : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً «1» قال المشركون:
أنزلها علينا حتى والله نؤمن بها فقال المسلمون: يا رسول الله، أنزلها عليهم لكي يؤمنوا فنزلت هذه الآية رواه أبو صالح عن ابن عباس.
(549) والثاني: أن قريشاً قالوا: يا محمد، تخبرنا أنّ موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر، فينفجر منها اثنتا عشرة عيناً، وأن عيسى كان يحيي الموتى، وأن ثمود كانت لهم ناقة، فائتنا بمثل هذه الآيات حتى نصدَّقك: فقال: «أي شيء تحبون؟» قالوا: أن تجعل لنا الصفا ذهباً. قال: «فان فعلت تصدقوني؟» فقالوا: نعم، والله لئن فعلت لنتّبعنّك أجمعين. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، فجاءه جبريل فقال: إن شئت أصبح الصّفا ذهبا، ولكني لم أرسل آية فلم يصدَّق بها، إلا أنزلت العذاب، وإن شئت تركتُهم حتى يتوب تائبهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اتركهم حتى يتوب تائبهم» ، فنزلت هذه الآية إلى قوله:
يَجْهَلُونَ، هذا قول محمد بن كعب القرظي.
وقد ذكرنا معنى جَهْدَ أَيْمانِهِمْ في (المائدة) وإنما حلفوا على ما اقترحوا من الآيات،