أحدهما: أنها محكمة. ولأرباب هذا القول في سبب إحكامها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها خبر، والخبر لا يدخله النسخ. والثاني: أنها جاءت جواباً عن سؤال سألوه فكان الجواب بقدر السؤال، ثم حُرِّم بعد ذلك ما حُرِّم. والثالث: أنه ليس في الحيوان محرم إلا ما ذُكر فيها.
والقول الثاني: أنها منسوخة بما ذكر في (المائدة) من المنخنقة والموقوذة، وفي السُنَّةِ من تحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، ومخلب من الطير. وقيل: إن آية (المائدة) داخلة في هذه الآية، لأنّ تلك الأشياء كلّها ميتة.
سورة الأنعام (6) : آية 146وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (146)
قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وقرأ الحسن، والأعمش: «ظُفْرٍ» بسكون الفاء وهذا التحريم تحريم بلوى وعقوبة. وفي ذي الظفر ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ما ليس بمنفرج الأصابع، كالإبل، والنعام، والإوَزِّ، والبط، قاله ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، وقتادة، والسّدّيّ. والثاني: أنّه الإبل فقط، قاله ابن زيد. والثالث: كل ذي حافر من الدواب، ومخلب من الطير، قاله ابن قتيبة. قال: وسمي الحافر ظفراً على الإستعارة والعرب تجعل الحافر والأظلاف موضع القدم، استعارة وأنشدوا:
سَأمْنْعُها أوْ سَوْفَ أجْعَلُ أمْرَهَا
... إلى مَلِكٍ أظلافُه لم تُشقَّق «1»
أراد قدميه وإنما الأظلاف للشاء والبقر. قال ابن الأنباري: الظّفر ها هنا، يجري مجرى الظفر للانسان. وفيه ثلاث لغات أعلاهن: ظُفُر ويقال: ظُفْر، وأُظفور. وقال الشاعر:
ألم تر أنَّ الموتَ أدْرَك مَنْ مَضَى
... فلم يُبْقِ منه ذا جناح وذا ظُفُر
وقال الآخر:
لقد كنتُ ذا نابٍ وظُفْرٍ على العِدَى
... فأصبحتُ ما يَخْشَوْنَ نابي ولا ظُفْري
وقال الآخر:
ما بين لُقمته الأولى إذا انحَدَرَتْ
... وبين أخرى تليها قِيْدُ أُظْفُور «2»
وفي شحوم البقر والغنم ثلاثة أقوال: أحدها: أنه إنما حرّم من ذلك شحوم الثروب خاصة، قاله قتادة. والثاني: شحوم الثروب والكلى، قاله السدي، وابن زيد. والثالث: كل شحم لم يكن مختلطا