(فصل:) اختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم: هذه خاصة في أهل بدر، وهو مروي عن ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، والحسن، وابن جبير، وقتادة، والضحاك. وقال آخرون: هي على عمومها في كل منهزم وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً. وقال آخرون هي على عمومها، غير أنها نسخت بقوله تعالى: فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ «1» فليس للمسلمين أن يفروا من مِثلَيهم، وبه قال عطاء بن أبي رباح. وروى أبو طالب عن أحمد أنه سئل عن الفرار من الزحف، فقال:
لا يفر رجل من رجلين فان كانوا ثلاثة، فلا بأس. وقد نُقل نحو هذا عن ابن عباس، وقال محمد بن الحسن: إذا بلغ الجيش اثني عشر ألفاً، فليس لهم أن يفروا من عدوهم، وإن كثُر عددهم. ونقل نحو هذا عن مالك. ووجهه ما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال:
(617) «ما هُزم قوم إذا بلغوا اثني عشر ألفاً من قلة إذا صبروا وصدقوا» .
سورة الأنفال (8) : الآيات 17 الى 18فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18)
قوله تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وقرأ ابن عامر، وأهل الكوفة إلا عاصماً «ولكِنِ اللهُ قتلهم» «ولكنِ اللهُ رمى» بتخفيف النون ورفع اسم الله فيهما. وسبب نزول هذا الكلام أنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما رجعوا عن بدر جعلوا يقولون: قَتَلْنا وقَتَلْنا، هذا معنى قول مجاهد. فأما قوله تعالى:
وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ففي سبب نزوله ثلاثة أقوال:
(618) أحدها: «أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال لعلي: ناولني كفاً من حصباء، فناوله، فرمى به في وجوه القوم، فما بقي منهم أحد إلا وقعت في عينه حصاة» . وقيل: أخذ قبضة من تراب، فرمى بها، وقال:
«شاهت الوجوه» فما بقي مشرك إلا شُغل بعينه يعالج التراب الذي فيها، فنزلت وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وذلك يوم بدر هذا قول الأكثرين. وقال ابن الأنباري: وتأويل شاهت: قبحت يقال: شاه وجهه يشوه شَوهاً وشُوهة، ويقال: رجل أشوه، وامرأة شوهاء: إذا كانا قبيحين.
(619) والثاني: أن أُبي بن خلف أقبل يوم أحد إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم يريده، فاعترض له رجال من