وَثاق، وتربَّصوا به ريب المنون. فقال إبليس: ما هذا برأي، يوشك أن يثب أصحابه فيأخذوه من أيديكم. فقال قائل: أخرجوه من بين أظهركم. فقال: ما هذا برأي، يوشك أن يجمع عليكم ثم يسير إليكم. فقال أبو جهل: نأخذ من كل قبيلة غلاماً، ثم نعطي كل غلام سيفاً فيضربوه به ضربة رجل واحد، فيفرَّق دمه في القبائل، فلا أظن هذا الحي من قريش يقوى على حرب قريش كلِّها، فيقبلون العَقل ونستريح. فقال إبليس: هذا والله الرأي. فتفرَّقوا عن ذلك. وأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه، وأخبره بمكر القوم، فلم يبت في مضجعه تلك الليلة، وأمر علياً فبات في مكانه، وبات المشركون يحرسونه، فلمّا أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذن له الله في الخروج إلى المدينة، وجاء المشركون لَّما أصبحوا، فرأوا علياً، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فاقتصُّوا أثره حتى بلغوا الجبل، فمروا بالغار، فرأوا نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخله لم يكن عليه نسج العنكبوت.
فأما قوله تعالى: لِيُثْبِتُوكَ فقال ابن قتيبة: معنا: ليحبسوك. يقال: فلان مثبت وجعاً: إذا لم يقدر على الحركة. وللمفسرين فيه قولان: أحدهما: ليثبتوك في الوَثاق، قاله ابن عباس والحسن في آخرين. والثاني: ليثبتوك في الحبس، قاله عطاء والسدي في آخرين. وكان القومُ أرادوا أن يحبسوه في بيت ويسدوا عليه بابه ويلقوا إليه الطعام والشراب، وقد سبق بيان المكر في (آل عمران) «1» .
سورة الأنفال (8) : آية 31وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)
قوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا.
(636) ذكر أهل التفسير أن هذه الآيه نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة، وأنه لمّا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر قصص القرون الماضية، قال: لو شئت لقلت مثل هذا.
وفي قوله تعالى: قَدْ سَمِعْنا قولان: أحدهما: قد سمعنا منك ولا نطيعك. والثاني: قد سمعنا قبل هذا مثله، وكان النضر يختلف إلى فارس تاجراً فيسمع العبّاد يقرءون الإنجيل. وقد بين التحدِّي كذب من قال لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا. وقد سبق معنى الأساطير في (الأنعام) «2» .
سورة الأنفال (8) : آية 32وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32)
قوله تعالى: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
(637) أحدها: أنها نزلت في النضر أيضاً، رواه جماعة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير،