مدَّة فأجله إلى مدته، والله بريء من المشركين ورسوله» .
فصل: فأما التفسير، فقوله تعالى: بَراءَةٌ قال الفراء: هي مرفوعة باضمار «هذه» ، ومثله سُورَةٌ أَنْزَلْناها «1» . وقال الزجاج: يقال: بَرِئْتُ من الرجل والدَّيْن براءةً، وبرئتُ من المرض وبرأتُ أيضاً أبرأُ برءا، وقد رووا: برأت أبرأ بروءا. ولم نجد في ما لامه همزة: فَعَلْتُ أفعل، إلا هذا الحرف. ويقال: بريت القلم، وكل شيء نحتَّه: أبريه بَرْياً، غير مهموز. وقرأ أبو رجاء، ومورق، وابن يعمر: «براءةً» بالنصب. قال المفسرون: والبراءة هاهنا: قطع الموالاة، وارتفاع العصمة، وزوال الأمان. والخطاب في قوله تعالى: إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الذي يتولَّى المعاهدة، وأصحابُه راضون فكأنهم بالرضا عاهدوا أيضاً وهذا عام في كل من عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال مقاتل: هم ثلاثة أحياء من العرب: خزاعة، وبنو مدلج، وبنو جذيمة.
سورة التوبة (9) : آية 2فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2)
قوله تعالى: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أي: انطلقوا فيها آمنين لا يقع بكم مِنَّا مكروه.
إن قال قائل: هذه مخاطبة شاهد، والآية الأولى إخبار عن غائب، فعنه جوابان:
أحدهما: أنه جائز عند العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب. قال عنترة:
شَطَّتْ مَزارُ العاشِقينَ فأصبَحتْ
... عَسِراً عليَّ طِلابُكِ ابنةَ مَخْرَمِ «2»
هذا قول أبي عبيدة. والثاني: أن في الكلام إضماراً، تقديره: فقل لهم: سيحوا في الارض، أي: اذهبوا فيها، وأقبلوا، وأدبروا، وهذا قول الزجاج.
واختلفوا فيمن جُعلت له هذه الأربعة الأشهر على أربعة أقوال «3» : أحدها: أنها أمان لأصحاب