قوله تعالى: ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فيه قولان: أحدهما: ذلك القضاء المستقيم، قاله ابن عباس.
والثاني: ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوي، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ اختلفوا في كناية «فيهنَّ» على قولين: أحدهما: أنها تعود على الاثني عشر شهراً، قاله ابن عباس. فعلى هذا يكون المعنى: لا تجعلوا حرامها حلالاً، ولا حلالها حراماً، كفعل أهل النسيء. والثاني: أنها ترجع إلى الأربعة الحرم، وهو قول قتادة، والفراء واحتج بأن العرب تقول لما بين الثلاثة إلى العشرة: لثلاث ليال خَلَوْنَ، وأيام خلون فاذا جُزتَ العشَرة قالوا: خلتْ ومضتْ ويقولون لما بين الثلاثة إلى العشرة: هُنَّ، وهؤلاء فاذا جزتَ العشرة، قالوا:
هي، وهذه: إرادةَ أن تُعرف سمة القليل من الكثير. وقال ابن الأنباري: العرب تعيد الهاء والنون على القليل من العدد، والهاء والألف على الكثير منه والقلَّة: ما بين الثلاثة إلى العشرة، والكثرة: ما جاوز العشرة. يقولون: وجهتُ إليك أكبُشاً فاذبحْهُنَّ، وكباشاً فاذبحها فلهذا قال: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ وقال: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ لأنه يعني بقوله تعالى: «فيهن» الأربعة. ومن قال من المفسرين: إنه يعني بقوله تعالى «فيهن» الاثني عشر، فانه ممكن لأن العرب ربما جعلت علامة القليل للكثير، وعلامة الكثير للقليل. وعلى قول من قال: ترجع «فيهن» إلى الأربعة يُخرَّج في معنى الظلم فيهن أربعة أقوال:
أحدها: أنه المعاصي فتكون فائدة تخصيص النهي عنه بهذه الأشهر، أن شأن المعاصي يعظُم فيها أشدَّ من تعظيمه في غيرها، وذلك لفضلها على ما سواها، كقوله تعالى: وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ «1» وإن كانا قد دخلا في جملة الملائكة، وقوله: فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ «2» وإن كانا قد دخلا في جملة الفاكهة، وقوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ «3» وإن كان منهياً عنه في غير الحج، وكما أُمر بالمحافظة على الصلاة الوسطى وإن كان مأموراً بالمحافظة على غيرها، هذا قول الأكثرين. والثاني: أن المراد بالظلم فيهنَّ فعل النسيء، وهو تحليل شهر محرَّم، وتحريم شهر حلال، قاله ابن اسحاق.
والثالث: أنه البداية بالقتال فيهن فيكون المعنى: فلا تظلموا أنفسكم بالقتال فيهن إلا أن تُبدَؤوا بالقتال، قاله مقاتل. والرابع: أنه ترك القتال فيهن فيكون المعنى: فلا تظلموا فيهن أنفسكم بترك المحاربة لعدوِّكم، قاله ابن بحر، وهو عكس قول مقاتل. والسرُّ في أن الله تعالى عظَّم بعض الشهور على بعض، ليكون الكفُّ عن الهوى فيها ذريعة إلى استدامة الكف في غيرها تدريجاً للنفس إلى فراق مألوفها المكروه شرعا.
سورة التوبة (9) : آية 37إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37)
قوله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ الجمهور على همز النسيء ومَدِّه وكسر سينه.
وروى شبل عن ابن كثير: «النِّسْءُ» على وزن النِسْع. وفي رواية أخرى عن شبل: «النَّسِيُّ» مشددة الياء من غير همز، وهي قراءة أبي جعفر والمراد بالكلمة التأخير. قال اللغويون: النّسيء: تأخير الشّيء.