فان قيل: كيف جاز أن يستغفر لهم، وقد أُخبر بأنهم كفروا؟ فالجواب: أنه إنما استغفر لقوم منهم على ظاهر إِسلامهم من غير أن يتحقق خروجهم عن الإسلام، ولا يجوز أن يقال: علم كفرهم ثم استغفر. فان قيل: ما معنى حصر العدد بسبعين؟ فالجواب: أن العرب تستكثر في الآحاد من سبعة، وفي العشرات من سبعين.
سورة التوبة (9) : آية 81فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81)
قوله تعالى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ يعني المنافقين الذين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.
والمخلَّف: المتروك خلفَ من مضى. بِمَقْعَدِهِمْ أي: بقعودهم. وفي قوله تعالى: خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ قولان: أحدهما: أن معناه: بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله أبو عبيدة. والثاني: أن معناه: مخالَفَةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منصوب، لأنه مفعول له، فالمعنى: بأن قعدوا لمخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله الزجاج.
وقرأ ابن مسعود، وابن يعمر، والأعمش، وابن أبي عبلة: «خَلْفَ رسول اللهِ» ، ومعناها: أنهم تأخَّروا عن الجهاد. وفي قوله تعالى: لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قولان: أحدهما: أنه قول بعضهم لبعض، قاله ابن اسحاق، ومقاتل. والثاني: أنهم قالوه للمؤمنين، ذكره الماوردي. وإنما قالوا هذا، لأن الزمان كان حينئذ شديد الحر. قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لمن خالف أمر الله. وقوله تعالى: يَفْقَهُونَ معناه:
يعلمون. قال ابن فارس: الفقه: العلم بالشيء. تقول: فَقِهْتُ الحديث أَفْقَهُهُ وكل علم بشيء: فقه.
ثم اختص به علم الشريعة، فقيل لكل عالم بها: فقيه. قال المصنف: وقال شيخنا علي بن عبيد الله:
الفقه في إطلاق اللغة: الفهم، وفي عرف الشريعة: عبارة عن معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلَّفين، بنحو التحليل، والتحريم، والإيجاب، والإجزاء، والصحة، والفساد، والغرم، والضمان، وغير ذلك. وبعضهم يختار أن يقال: الفِقْه: فَهْمُ الشيء، وبعضهم يختار أن يقال: علم الشيء.
سورة التوبة (9) : آية 82فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82)
قوله تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا لفظه لفظ الأمر ومعناه التهديد. وفي قلَّة ضحكهم وجهان:
أحدهما: أن الضحك في الدنيا، لكثرة حزنها وهمومها، قليل، وضحكهم فيها أقل، لِما يتوجه إليهم من الوعيد. والثاني: أنهم إنما يضحكون في الدنيا، وبقاؤها قليل. وَلْيَبْكُوا كَثِيراً في الآخرة. قال أبو موسى الأشعري: إن أهل النار ليبكون الدموع في النار، حتى لو أُجريت السفن في دموعهم لجرت، ثم إنهم ليبكون الدم بعد الدموع، فلمثل ما هم فيه فليُبكي.
قوله تعالى: جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي: من النّفاق والمعاصي.
سورة التوبة (9) : آية 83فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83)
قوله تعالى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ أي: ردك من غزوة تبوك إلى المدينة إِلى طائِفَةٍ من المنافقين الذين تخلَّفوا بغير عذر. وإنما قال: إِلى طائِفَةٍ لأنه ليس كل من تخلَّف عن تبوك كان منافقاً.