بأسرها إلى المدينة من الجُهد ويظهرون الإسلام وهم كاذبون فضيَّقوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(773) والثالث: أن ناساً أسلموا، وخرجوا إلى البوادي يعلِّمون قومهم، فنزلت: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ «1» ، فقال ناس من المنافقين: هلك من لم ينفر من أهل البوادي، فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة.
(774) والرابع: أن ناساً خرجوا إلى البوادي يعلِّمون الناس ويَهدونهم، ويصيبون من الحطب ما ينتفعون به فقال لهم الناس: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا فأقبلوا من البادية كلهم، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد.
قال الزجاج: ولفظ الآية لفظ الخبر، ومعناها الأمر، كقوله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ «2» ، والمعنى: ينبغي أن ينفر بعضهم، ويبقى البعض. قال الفراء: ينفِر وينفُر، بكسر الفاء وضمها، لغتان. واختلف المفسرون في المراد بهذا النفير على قولين: أحدهما: أنه النفير إلى العدو، فالمعنى: ما كان لهم أن ينفروا بأجمعهم، بل تنفر طائفة، وتبقى مع النبيّ صلى الله عليه وسلم طائفة.
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ يعني الفرقةَ القاعدين. فاذا رجعت السرايا، وقد نزل بعدهم قرآن أو تجدَّد أمر، أعلموهم به وأنذروهم به إذا رجعوا إليهم، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس. والثاني: أنه النفير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تنفر منهم طائفة ليتفقه هؤلاء الذين ينفرون، ولينذروا قومهم المتخلِّفين، هذا قول الحسن، وهو أشبه بظاهر الآية. فعلى القول الأول، يكون نفير هذه الطائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن خرج إلى غزاة أو مع سراياه. وعلى القول الثاني، يكون نفير الطائفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لاقتباس العلم.
سورة التوبة (9) : الآيات 123 الى 126يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)
قوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ قد أُمر بقتال الكفار على العموم، وإنما يُبتدَأ بالأقرب فالأقرب. وفي المراد بمن يليهم خمسة أقوال: أحدها: أنهم الروم، قاله ابن عمر. والثاني:
قريظة والنضير وخيبر وفدك، قاله ابن عباس. والثالث: الديلم، قاله الحسن. والرابع: العرب، قاله ابن زيد. والخامس: أنه عام في قتال الأقرب فالأقرب، قاله قتادة. وقال الزّجّاج: وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي أن يقاتل أهل كل ثغر الذين يلونهم. قال: وقيل: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ربّما تخطّى في حربه الذين