قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ قال عطاء: وإِنك لتعلم أنا نريد الرجال، لا النساء.
قوله تعالى: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أي: جماعة أقوى بهم عليكم. وقيل: أراد بالقوة البطش. أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ أي: أنضم إِلى عشيرة وشيعة تمنعني. وجواب «لو» محذوف على تقدير: لحُلْتُ بينكم وبين المعصية. قال أبو عبيدة: قوله تعالى: «آوي» من قولهم: أويت إِليك، فأنا آوي أُويّاً، والمعنى: صرت إِليك وانضممت. ومجاز الركن ها هنا: العشيرة العزيزة الكثيرة المنيعة، وأنشد «1» :
يأوى إِلى رُكْنٍ مِنَ الأَرْكَانِ
... في عدَدٍ طَيْسٍ ومجدٍ باني
والطَّيْس: الكثير، يقال: أتانا لبن طيس، وشراب طيس، أي: كثير.
واختلفوا أي وقت قال هذا لوط فروي عن ابن عباس أن لوطاً كان قد أغلق بابه والملائكة معه في الدار، وهو يناظرهم ويناشدهم وراء الباب، وهم يعالجون الباب ويرومون تسوّر الجدار فلما رأت الملائكة ما يلقى من الكرب، قالوا: يا لوط إِنا رسل ربك، فافتح الباب ودعنا وإِياهم ففتح الباب، فدخلوا، واستأذن جبريل ربه في عقوبتهم، فأذن له، فضرب بجناحه وجوههم فأعماهم، فانصرفوا يقولون: النجاءَ النجاءَ، فان في بيت لوط أسحر قوم في الأرض وجعلوا يقولون: يا لوط، كما أنت حتى تصبح، يوعدونه فقال لهم لوط: متى موعد هلاكهم؟ قالوا: الصبح، قال: لو أهلكتموهم الآن، فقالوا: أليس الصبح بقريب؟ وقال أبو صالح عن ابن عباس: إِنهم لما تواعدوه، قال في نفسه: ينطلق هؤلاء القوم غداً من عندي، وأبقى مع هؤلاء فيهلكوني، فقال: لو أن لي بكم قوة.
قلت: وإِنما يتوجه هذا إِذا قلنا: إِنه كان قبل علمه أنهم ملائكة. وقال قوم: إِنه إِنما قال هذا لما كسروا بابه وهجموا عليه. وقال آخرون: لما نهاهم عن أضيافه فأبَوْا قال هذا. وفي الجملة، ما أراد بالركن نصر الله وعونه، لأنه لم يخل من ذلك، وإِنما ذهب إِلى العشيرة والأسرة.
(796) وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إِلى ركن شديد، وما بعث الله نبياً بعده إِلا في ثروة من قومه» .
قوله تعالى: لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ قال مقاتل: فيه إِضمار، تقديره: لن يصلوا إِليك بسوء، وذلك أنهم قالوا للوط: إِنا نرى معك رجالاً سحروا أبصارنا، فستعلم غداً ما تَلْقى أنت وأهلُك فقال له جبريل: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ.
قوله تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ قرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ «فأسر»