شَرْطَ كَوْنِ الرِّدَّةِ مُوجِبَةً لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ أَنْ يَمُوتَ/ الْمُرْتَدُّ عَلَى تِلْكَ الرِّدَّةِ.
أَمَّا الْبَحْثُ الْفُرُوعِيُّ: فَهُوَ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا أَدَّى وَكَذَلِكَ الْحَجُّ، حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ شَرْطٌ فِي حُبُوطِ الْعَمَلِ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ كَافِرٌ، وَهَذَا الشَّخْصُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ هَذَا الشَّرْطُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِيرَ عَمَلُهُ مُحْبَطًا، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ الْأَنْعَامِ: 88 وَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ الْمَائِدَةِ: 5 لَا يُقَالُ: حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ عَلَّقَ حُكْمًا بِشَرْطَيْنِ، وَعَلَّقَهُ بِشَرْطِ أَنَّ الْحُكْمَ ينزل عند أيهما وجد، كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إِذَا جَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ، أَنْتَ حُرٌّ إِذَا جَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ: لَا يَبْطُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، بَلْ إِذَا جَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ عَتَقَ، وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ فَجَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ عَتَقَ بِالتَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ.
وَالسُّؤَالُ الثَّانِي: عَنِ التَّمَسُّكِ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمَوْتَ عَلَى الرِّدَّةِ شَرْطٌ لِمَجْمُوعِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ: الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا مَعَ هَذَا الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي حَبْطِ الْأَعْمَالِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَوْتَ عَلَى الرِّدَّةِ شَرْطٌ فِيهِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ لَا مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَبِشَرْطَيْنِ، لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ وَبِشَرْطَيْنِ إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَانِعًا مِنْ تَعْلِيقِهِ بِالْآخَرِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَوْ جَعَلْنَا مُجَرَّدَ الرِّدَّةِ مُؤَثِّرًا فِي الْحُبُوطِ لَمْ يَبْقَ لِلْمَوْتِ عَلَى الرِّدَّةِ أَثَرٌ فِي الْحُبُوطِ أَصْلًا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَبِشَرْطَيْنِ بَلْ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي: فَجَوَابُهُ أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ إِنَّمَا تُوجِبُ الْحُبُوطَ بِشَرْطِ الْمَوْتِ عَلَى الرِّدَّةِ، وَإِنَّمَا تُوجِبُ الْخُلُودَ فِي النَّارِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ عَلَى الرِّدَّةِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَذَلِكَ السُّؤَالُ سَاقِطٌ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْحَبَطِ أَنْ تَأْكُلَ الْإِبِلُ شَيْئًا يَضُرُّهَا فَتَعْظُمَ بُطُونُهَا فَتَهْلِكَ
وَفِي الْحَدِيثِ «وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ»
فَسَمَّى بُطْلَانَ الْأَعْمَالِ بِهَذَا لِأَنَّهُ كَفَسَادِ الشَّيْءِ بِسَبَبِ وُرُودِ الْمُفْسِدِ عَلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ مِنْ إِحْبَاطِ الْعَمَلِ لَيْسَ هُوَ إبطال نفس العمل، لأن العمل شيء كما وُجِدَ فَنِيَ وَزَالَ، وَإِعْدَامُ الْمَعْدُومِ مُحَالٌ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِيهِ، فَقَالَ الْمُثْبِتُونَ لِلْإِحْبَاطِ وَالتَّكْفِيرِ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ عِقَابَ الرِّدَّةِ الْحَادِثَةِ يُزِيلُ ثَوَابَ الْإِيمَانِ السَّابِقِ، إِمَّا بِشَرْطِ الْمُوَازَنَةِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي هَاشِمٍ وَجُمْهُورِ الْمُتَأَخِّرِينَ من المعتزلة أولا بِشَرْطِ الْمُوَازَنَةِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَلِيٍّ، وَقَالَ الْمُنْكِرُونَ لِلْإِحْبَاطِ بِهَذَا الْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنَ الْإِحْبَاطِ الْوَارِدِ فِي كِتَابِ اللَّهِ هُوَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا أَتَى بِالرِّدَّةِ فَتِلْكَ الرِّدَّةُ عَمَلٌ مُحْبِطٌ لِأَنَّ الْآتِيَ بِالرِّدَّةِ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بَدَلَهَا بِعَمَلٍ يَسْتَحِقُّ بِهِ ثَوَابًا فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ الْعَمَلِ الْجَيِّدِ وَأَتَى بَدَلَهُ بِهَذَا الْعَمَلِ الرَّدِيءِ الَّذِي لَا