وحرم بعضها، قال: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ لِأَنَّ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَا اسْتَحَقَّ الْجَنَّةَ وَالْمَغْفِرَةَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: بِإِذْنِهِ فَالْمَعْنَى بِتَيْسِيرِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ لِلْعَمَلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْجَنَّةَ وَالْمَغْفِرَةَ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ:
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يُونُسَ: 100 وَقَوْلُهُ: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ آلِ عِمْرَانَ: 145 وَقَوْلُهُ: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ الْبَقَرَةِ: 102 وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ بِالرَّفْعِ أَيْ وَالْمَغْفِرَةُ حَاصِلَةٌ بِتَيْسِيرِهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ فمعناه ظاهر.
سورة البقرة (2) : آية 222وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
الحكم السابع في المحيضفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سِتَّةً مِنَ الْأَسْئِلَةِ، فَذَكَرَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ بِغَيْرِ الْوَاوِ، وَذَكَرَ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ بِالْوَاوِ، وَالسَّبَبُ أَنَّ سُؤَالَهُمْ عَنْ تِلْكَ الْحَوَادِثِ الْأُوَلِ وَقَعَ فِي أَحْوَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَلَمْ يُؤْتَ فِيهَا بِحَرْفِ الْعَطْفِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ السُّؤَالَاتِ سُؤَالٌ مُبْتَدَأٌ، / وَسَأَلُوا عَنِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَجِيءَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ لِذَلِكَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: يَجْمَعُونَ لَكَ بَيْنَ السُّؤَالِ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَالسُّؤَالِ عَنْ كَذَا، وَالسُّؤَالِ عَنْ كَذَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
رُوِيَ أَنَّ الْيَهُودَ وَالْمَجُوسَ كَانُوا يُبَالِغُونَ فِي التَّبَاعُدِ عَنِ الْمَرْأَةِ حَالَ حَيْضِهَا، وَالنَّصَارَى كَانُوا يُجَامِعُونَهُنَّ، وَلَا يُبَالُونَ بِالْحَيْضِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُشَارِبُوهَا، وَلَمْ يُجَالِسُوهَا عَلَى فُرُشٍ وَلَمْ يُسَاكِنُوهَا فِي بَيْتٍ كَفِعْلِ الْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَأَخْرَجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْبَرْدُ شَدِيدٌ، وَالثِّيَابُ قَلِيلَةٌ، فَإِنْ آثَرْنَاهُنَّ بِالثِّيَابِ هَلَكَ سَائِرُ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَإِنِ اسْتَأْثَرْنَاهَا هَلَكَتِ الْحُيَّضُ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِنَّمَا أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوا مُجَامَعَتَهُنَّ إِذَا حِضْنَ، وَلَمْ آمُرْكُمْ بِإِخْرَاجِهِنَّ مِنَ الْبُيُوتِ كَفِعْلِ الْأَعَاجِمِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْيَهُودُ ذَلِكَ قَالُوا: هَذَا الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ لَا يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ عَبَّادُ بْنُ بَشِيرٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ وَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ فِي الْمَحِيضِ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظننا أنه غضب عليها فَقَامَا، فَجَاءَتْهُ هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمَا فَسَقَاهُمَا فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَغْضَبْ عَلَيْهِمَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَصْلُ الْحَيْضِ فِي اللُّغَةِ السَّيْلُ يُقَالُ: حَاضَ السَّيْلُ وَفَاضَ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحَوْضِ حَوْضٌ، لِأَنَّ الْمَاءَ يَحِيضُ إِلَيْهِ أَيْ يَسِيلُ إِلَيْهِ، وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ الْوَاوَ عَلَى الْيَاءِ وَالْيَاءَ عَلَى الْوَاوِ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ.