الظَّنُّ وَخَافَا عِنْدَ الْمُرَاجَعَةِ مِنْ نُشُوزٍ مِنْهَا أَوْ إِضْرَارٍ مِنْهُ فَالْمُرَاجَعَةُ تَحْرُمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كَلِمَةُ «إِنْ» فِي اللُّغَةِ لِلشَّرْطِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عُدِمَ عِنْدَ عُدْمِ الشَّرْطِ فَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَحْصُلْ هَذَا الظَّنُّ لَمْ يَحْصُلْ جَوَازُ الْمُرَاجَعَةِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ جَوَازَ الْمُرَاجَعَةِ ثَابِتٌ سَوَاءٌ حَصَلَ هَذَا الظَّنُّ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ إِلَّا أَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْمُرَاجَعَةِ: بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ عِنْدَ الْمُرَاجَعَةِ بِالنِّكَاحِ الْجَدِيدِ رِعَايَةُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَصْدُ الْإِقَامَةِ لِحُدُودِ اللَّهِ وَأَوَامِرِهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ:
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ إشارة إلى ما بينها مِنَ التَّكَالِيفِ، وَقَوْلُهُ: يُبَيِّنُها إِشَارَةٌ إِلَى الِاسْتِقْبَالِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَنَاقِضٌ وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَكْثَرُهَا عَامَّةٌ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا تَخْصِيصَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَأَكْثَرُ تِلْكَ الْمُخَصِّصَاتِ إِنَّمَا عُرِفَتْ بِالسُّنَّةِ، فَكَانَ الْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ هِيَ حُدُودُ اللَّهِ وَسَيُبَيِّنُهَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَالَ الْبَيَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ النَّحْلِ: 44 .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبَانٍ نُبَيِّنُهَا بِالنُّونِ وَهِيَ نُونُ التَّعْظِيمِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنَّمَا خُصَّ الْعُلَمَاءُ بِهَذَا الْبَيَانِ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِالْآيَاتِ فَغَيْرُهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ البقرة: 2 والثاني: أنه خصصهم بِالذِّكْرِ كَقَوْلِهِ: وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ الْبَقَرَةِ: 98 وَالثَّالِثُ: يَعْنِي بِهِ الْعَرَبَ لِعِلْمِهِمْ بِاللِّسَانِ وَالرَّابِعُ: يُرِيدُ مَنْ لَهُ عَقْلٌ وَعِلْمٌ، كَقَوْلِهِ: وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ الْعَنْكَبُوتِ: 43 وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ إِلَّا عَاقِلًا عَالِمًا بِمَا يُكَلِّفُهُ، لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ أُزِيحَ عُذْرُ الْمُكَلَّفِ والخامس: أن قوله: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْأَحْكَامِ يُبَيِّنُهَا اللَّهُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أنزل الكتاب وبعث الرسول ليعلموا بأمره وينتهوا عما نهوا عنه.
سورة البقرة (2) : آية 231وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَوَّلُ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قوله:
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ البقرة: 229 فَتَكُونُ إِعَادَةُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ تِلْكَ الْآيَةِ تَكْرِيرًا لِكَلَامٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.
وَالْجَوَابُ: أَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُمُ الَّذِينَ حَمَلُوا قوله: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الطَّلَقَاتِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَإِنَّمَا الْمَشْرُوعُ هُوَ التَّفْرِيقُ، فَهَذَا السُّؤَالُ سَاقِطٌ عَنْهُمْ، لِأَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الرَّجْعَةِ، وَأَمَّا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ