بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَأَيْضًا اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ وَضْعَ الْحَمْلِ فِي حَقِّ الْحَامِلِ بَدَلًا/ عَنْ هَذِهِ المدة، ثم وضع الحمل مشترك فيه الْحُرَّةِ وَالرَّقِيقَةِ، فَكَذَا الِاعْتِدَادُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ يَجِبُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيهِ، وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ قَالُوا: التَّنْصِيفُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مُمْكِنٌ، وَفِي وَضْعِ الْحَمْلِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَإِذَا وَضَعَتِ الْحَمْلَ حَلَّتْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وَفَاةِ الزَّوْجِ بِسَاعَةٍ،
وَعَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: تَتَرَبَّصُ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ،
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ.
أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ الطَّلَاقِ: 4 وَمِنَ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ الْآيَةَ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَالشَّافِعِيُّ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَعَمُّ مِنَ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْهَا مِنْ وَجْهٍ، لِأَنَّ الْحَامِلَ قَدْ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ لَا يُتَوَفَّى، كَمَا أَنَّ الَّتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا قَدْ تَكُونُ حَامِلًا وَقَدْ لَا تَكُونُ، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ امْتَنَعَ جَعْلُ إحدى الآيتين مخصصة للأخرى الثاني: أَنَّ قَوْلَهُ: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ إِنَّمَا وَرَدَ عَقِيبَ ذِكْرِ الْمُطَلَّقَاتِ، فَرُبَّمَا يَقُولُ قَائِلٌ: هِيَ فِي الْمُطَلَّقَةِ لَا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. فَلِهَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ لَمْ يُعَوِّلِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبَابِ عَلَى الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا عَوَّلَ عَلَى السُّنَّةِ، وَهِيَ مَا
رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ أن سبيعة بنت الحرث الْأَسْلَمِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ، فَوَلَدَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ، فَلَمَّا طَهُرَتْ مِنْ دَمِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ، فَقَالَ لَهَا بَعْضُ النَّاسِ: مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي، فَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي،
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا الأصل فههنا تَفَارِيعُ الْأَوَّلُ: لَا فَرْقَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَهَذَا قَوْلٌ مَتْرُوكٌ لِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ.
الْحُكْمُ الثَّانِي: إِذَا تَمَّتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ لَمْ تَرَ عَادَتَهَا مِنَ الْحَيْضِ فِيهَا وَقَالَ مَالِكٌ:
لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا حَتَّى تَرَى عَادَتَهَا مِنَ الْحَيْضِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، مَثَلًا إِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَعَلَيْهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَرْبَعُ حِيَضٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ مَرَّةً فَعَلَيْهَا حَيْضَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً فَعَلَيْهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ مرة فههنا تَكْفِيهَا الشُّهُورُ حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ المتوفى عنها زوجها بهذه المدة ولم يزيد عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فَوَجَبَ أَنَّ يَكُونَ هَذَا الْقَدْرُ كَافِيًا، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّهَا إِنِ ارْتَابَتِ اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا مِنَ الرِّيبَةِ، كَمَا أَنَّ ذَاتَ الْأَقْرَاءِ لَوِ ارْتَابَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَحْتَاطَ.
الْحُكْمُ الثَّالِثُ: إِذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ شَهْرِ الْوَفَاةِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَالشَّهْرُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ يُؤْخَذُ بِالْأَهِلَّةِ سَوَاءٌ خَرَجَتْ كَامِلَةً أَوْ نَاقِصَةً، ثُمَّ تُكْمِلُ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ بِالْخَامِسِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ تَضُمُّ إِلَيْهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ مَاتَ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ اعْتُبِرَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْأَهِلَّةِ وَكُمِّلَ الْعَشْرُ مِنَ الشَّهْرِ السَّادِسِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِمَا بَعْدَهَا مِنْ الِاعْتِدَادِ بِالْحَوْلِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً فِي التِّلَاوَةِ غَيْرَ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ فَإِنَّهُ أَبَى نَسْخَهَا، وَسَنَذْكُرُ كَلَامَهُ مِنْ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالتَّقَدُّمُ فِي