عَلَيْهِنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ، أَيْ لَا تَعْزِمُوا عَلَيْهِنَّ أَنْ يَعْقِدْنَ النِّكَاحَ، كَمَا تَقُولُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا.
فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: عُقْدَةَ النِّكاحِ فَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ الشَّدُّ، وَالْعُهُودُ وَالْأَنْكِحَةُ تُسَمَّى عُقُودًا لِأَنَّهَا تُعْقَدُ كَمَا يُعْقَدُ الْحَبْلُ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ فَفِي الْكِتَابِ وَجْهَانِ الْأَوَّل: الْمُرَادُ مِنْهُ: الْمَكْتُوبُ وَالْمَعْنَى:
تَبْلُغُ الْعِدَّةُ الْمَفْرُوضَةُ آخِرَهَا، وَصَارَتْ مُنْقَضِيَةً وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ نَفْسُهُ فِي مَعْنَى الْفَرْضِ كَقَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ الْبَقَرَةِ: 183 فَيَكُونُ الْمَعْنَى حَتَّى يَبْلُغَ هَذَا التَّكْلِيفُ آخِرَهُ وَنِهَايَتَه، وَإِنَّمَا حَسُنَ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ مَعْنَى: فَرَضَ، بِلَفْظِ كَتَبَ لِأَنَّ مَا يُكْتَبُ يَقَعُ فِي النُّفُوسِ أَنَّهُ أَثْبَتُ وَآكَدُ وَقَوْلُهُ: حَتَّى هُوَ غَايَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُفِيدَ ارتفاع الخطر المتقدم، لأن من حق الغاية ضُرِبَتْ لِلْحَظْرِ أَنْ تَقْتَضِيَ زَوَالَهُ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ الْآيَةَ بِالتَّهْدِيدِ فَقَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ عَالِمًا بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَجَبَ الْحَذَرُ فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ الْوَعِيدِ الْوَعْدَ، فَقَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
سورة البقرة (2) : آية 236لَا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)
الْحُكْمُ الْخَامِسَ عَشَرَ حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِاعْلَمْ أَنَّ أَقْسَامَ الْمُطَلَّقَاتِ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا: الْمُطَلَّقَةُ الَّتِي تَكُونُ مَفْرُوضًا لَهَا وَمَدْخُولًا بِهَا وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا تَقَدَّمَ أَحْكَامَ هَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُنَّ عَلَى الْفِرَاقِ شَيْءٌ عَلَى سَبِيلِ الظُّلْمِ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ لَهُنَّ كَمَالَ الْمَهْرِ، وَأَنَّ عِدَّتَهُنَّ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ مَا لَا يَكُونُ مَفْرُوضًا وَلَا مَدْخُولًا بِهَا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مَهْرٌ، وَأَنَّ لَهَا الْمُتْعَةَ بِالْمَعْرُوفِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ: الَّتِي يَكُونُ مَفْرُوضًا لَهَا، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ مَدْخُولًا بِهَا وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ الْبَقَرَةِ: 237 وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ حُكْمَ عِدَّةِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَذَكَرَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا الْبَتَّةَ، فَقَالَ: إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ الْأَحْزَابِ: 49 .
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ: الَّتِي تَكُونُ مَدْخُولًا بِهَا، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ مَفْرُوضًا لَهَا، وَحُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ النِّسَاءِ: 24 أَيْضًا الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ دَالٌّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِالشُّبْهَةِ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، فَالْمَوْطُوءَةُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْلَى بِهَذَا الْحُكْمِ، فَهَذَا