عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْلِهِ: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى النَّجْمِ: 5 .
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي عِلْمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
النِّسَاءِ: 113
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي»
وَقَالَ تَعَالَى: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ الرَّحْمَنِ: 2
وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: (أَرِنَا الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ)
وَقَالَ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً طه: 114 وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُ وبين قوله تعالى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى فَذَاكَ بِحَسَبِ التَّلْقِينِ، وَأَمَّا التَّعْلِيمُ فَمِنَ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ السَّجْدَةِ: 11 ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها الزُّمَرِ: 42 .
فَإِنْ قِيلَ: قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ الشُّعَرَاءِ: 114 وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ الْأَنْعَامِ: 52 وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خُلُقَ نُوحٍ أَحْسَنُ.
قُلْنَا: إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ نُوحٍ: 1 فَكَانَ أَوَّلُ أَمْرِهِ الْعَذَابَ، وَأَمَّا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقِيلَ فِيهِ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ الْأَنْبِيَاءِ:
107 ، لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ التَّوْبَةِ: 128 إِلَى قوله: رَؤُفٌ رَحِيمٌ فَكَانَ عَاقِبَةُ نُوحٍ أَنْ قَالَ:
رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً نُوحٍ: 26 وَعَاقِبَةُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ الشَّفَاعَةَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً الْإِسْرَاءِ: 79 وَأَمَّا سَائِرُ الْمُعْجِزَاتِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي «كُتُبِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ» فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُعْجِزَةٌ أَفْضَلُ مِنْهَا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا الْكِتَابُ لَا يَحْتَمِلُ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ففيه مسائل:
المسألة الأولى: المراد منه مَنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْهَاءُ تُحْذَفُ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَفِيها مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ الزُّخْرُفِ: 71 .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قُرِئَ كَلَّمَ اللَّهَ بِالنَّصْبِ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى أَدَلُّ عَلَى الْفَضْلِ، لِأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُ اللَّهَ عَلَى مَا
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْمُصَلِّي مُنَاجٍ رَبَّهُ»
إِنَّمَا الشَّرَفُ فِي أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَرَأَ اليماني:
كالم الله من المكالمة، ويدل على قَوْلُهُمْ: كَلِيمُ اللَّهِ بِمَعْنَى مُكَالِمُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ مَنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ فَالْمَسْمُوعُ هُوَ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ، الَّذِي لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ أَمْ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَأَتْبَاعُهُ: الْمَسْمُوعُ هُوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ رُؤْيَةُ مَا لَيْسَ بِمُكَيَّفٍ، فَكَذَا لَا يُسْتَبْعَدُ سَمَاعُ مَا لَيْسَ بِمُكَيَّفٍ، وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: سَمَاعُ ذَلِكَ الْكَلَامِ مُحَالٌ، وَإِنَّمَا الْمَسْمُوعُ هُوَ الْحَرْفُ وَالصَّوْتُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مُرَادٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ قَالُوا وَقَدْ سَمِعَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى السَبْعُونَ الْمُخْتَارُونَ وَهُمُ الَّذِينَ أَرَادَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا الْأَعْرَافِ: 155 وَهَلْ سَمِعَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: نَعَمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى
النَّجْمِ: 10 .
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ غَايَةِ مَنْقَبَةِ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَلَّمَ اللَّهُ