281 فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مُحَمَّدُ ضَعْهَا عَلَى رَأْسِ ثَمَانِينَ آيَةً وَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنَ الْبَقَرَةٍ، وَعَاشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا أَحَدًا وَثَمَانِينَ يَوْمًا،
وَقِيلَ: أَحَدًا وَعِشْرِينَ وَقِيلَ: سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثَ سَاعَاتٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو تُرْجَعُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ الرُّجُوعَ لَازِمٌ، وَالرَّجْعَ مُتَعَدٍّ، وَعَلَيْهِ تُخَرَّجُ الْقِرَاءَتَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: انْتَصَبَ يَوْماً عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، لَا عَلَى الظَّرْفِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى: وَاتَّقُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ، لَكِنَّ الْمَعْنَى تَأَهَّبُوا لِلِقَائِهِ بِمَا تُقَدِّمُونَ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً الْمُزَّمِّلُ: 17 أَيْ كَيْفَ تَتَّقُونَ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي هَذَا وَصْفُهُ مَعَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ الْقَاضِي: الْيَوْمَ عِبَارَةٌ عَنْ زَمَانٍ مَخْصُوصٍ، وَذَلِكَ لَا يُتَّقَى، وَإِنَّمَا يُتَّقَى مَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْأَهْوَالِ وَاتِّقَاءُ تِلْكَ الْأَهْوَالِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا فِي دَارِ الدُّنْيَا بِمُجَانَبَةِ الْمَعَاصِي الْوَاجِبَاتِ، فَصَارَ قَوْلُهُ وَاتَّقُوا يَوْماً يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِجَمِيعِ أَقْسَامِ التَّكَالِيفِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ، الْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَكَانِ وَالْجِهَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الرُّجُوعَ إِلَى عِلْمِهِ وَحِفْظِهِ، فَإِنَّهُ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا لَكِنْ كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ تُرْجَعُونَ (فِيهِ) إِلَى اللَّهِ لَهُ مَعْنَيَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَحْوَالٌ ثَلَاثَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ.
فَالْحَالَةُ الْأُولَى: كَوْنُهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، ثُمَّ لَا يَمْلِكُونَ نَفْعَهُمْ وَلَا ضَرَّهُمْ، بَلِ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِمْ/ لَيْسَ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: كَوْنُهُمْ بَعْدَ الْبُرُوزِ عَنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَهُنَاكَ يَكُونُ الْمُتَكَفِّلُ بِإِصْلَاحِ أَحْوَالِهِمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ الْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ بَعْضُهُمْ فِي الْبَعْضِ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ.
وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُنَاكَ لَا يَكُونُ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِمْ ظَاهِرًا فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا اللَّهَ سُبْحَانَهُ، فَكَأَنَّهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنِ الدُّنْيَا عَادَ إِلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الدُّنْيَا، فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ وَالثَّانِي:
أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ يَرْجِعُونَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ ثَوَابٍ أَوْ عِقَابٍ، وَكِلَا التَّأْوِيلَيْنِ حَسَنٌ مُطَابِقٌ لِلَّفْظِ.
ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مُكَلَّفٍ فَهُوَ عِنْدُ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ جَزَاءُ عَمَلِهِ بِالتَّمَامِ، كَمَا قَالَ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزَّلْزَلَةِ: 7، 8 وَقَالَ: إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ لقمان: 16 وَقَالَ:
وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ الْأَنْبِيَاءِ: 47 وَفِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ مَا كَسَبَتْ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ فِيهِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ جَزَاءُ مَا كَسَبَتْ وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُكْتَسَبَ هُوَ ذَلِكَ الْجَزَاءُ، لأن ما يحصله الرَّجُلُ بِتِجَارَتِهِ مِنَ الْمَالِ فَإِنَّهُ يُوصَفُ فِي اللُّغَةِ بِأَنَّهُ مُكْتَسَبُهُ، فَقَوْلُهُ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ أَيْ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسِ مُكْتَسَبَهَا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ مَهْمَا أَمْكَنَ تَفْسِيرُ الْكَلَامِ بِحَيْثُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْإِضْمَارِ كَانَ أَوْلَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْوَعِيدِيَّةُ يَتَمَسَّكُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْقَطْعِ بِوَعِيدِ الْفُسَّاقِ، وَأَصْحَابُنَا يَتَمَسَّكُونَ بها في