الثَّانِي: أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَشْرَفِ الْمَطَالِبِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَذَلِكَ هُوَ الْأَسَاسُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ أَشْرَفَ العبادات بعد الإيمان هو الصلاة، وهذا السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى كُلِّ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهَا.
الِاسْمُ الثَّامِنُ: الشِّفَاءُ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سُمٍّ، وَمَرَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِرَجُلٍ مَصْرُوعٍ فَقَرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ فِي أُذُنِهِ فَبَرِئَ فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ.
وَأَقُولُ: الْأَمْرَاضُ مِنْهَا رُوحَانِيَّةٌ، وَمِنْهَا جُسْمَانِيَّةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى الْكُفْرَ مَرَضًا فَقَالَ تَعَالَى:
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ الْبَقَرَةِ: 10 وَهَذِهِ السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُكَاشَفَاتِ، فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الشِّفَاءِ فِي هَذِهِ الْمَقَامَاتِ الثَّلَاثَةِ.
الِاسْمُ التَّاسِعُ: الصَّلَاةُ،
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَالْمُرَادُ هَذِهِ السُّورَةُ» .
الِاسْمُ الْعَاشِرُ: السُّؤَالُ،
رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَى عَنْ رَبِّ الْعِزَّةِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ سُؤَالِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» ،
وَقَدْ فَعَلَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ الشُّعَرَاءِ: 78 إِلَى أَنْ قَالَ: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً/ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ الشُّعَرَاءِ: 83 فَفِي هَذِهِ السُّورَةِ أَيْضًا وَقَعَتِ الْبَدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُوَ قَوْلُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَى قَوْلِهِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ثُمَّ ذَكَرَ الْعُبُودِيَّةَ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ثُمَّ وَقَعَ الْخَتْمُ عَلَى طَلَبِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَكْمَلَ الْمَطَالِبِ هُوَ الْهِدَايَةُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَنَّةَ الْمَعْرِفَةِ خَيْرٌ مِنْ جَنَّةِ النَّعِيمِ لِأَنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ الْكَلَامَ هُنَا عَلَى قَوْلِهِ اهْدِنَا وَلَمْ يَقُلْ ارْزُقْنَا الْجَنَّةَ.
الِاسْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ: سُورَةُ الشُّكْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ بِالْفَضْلِ وَالْكَرَمِ وَالْإِحْسَانِ.
الِاسْمُ الثَّانِيَ عَشَرَ: سُورَةُ الدُّعَاءِ، لِاشْتِمَالِهَا عَلَى قَوْلِهِ: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فَهَذَا تَمَامُ الْكَلَامِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْبَابُ الثَّانِي فِي فضائل هذه السورة، وفيه مسائل:كيفية نزولها:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي كَيْفِيَّةِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ،
رَوَى الثَّعْلَبِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ بِمَكَّةَ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ،
ثُمَّ قَالَ الثَّعْلَبِيُّ:
وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ،
وَرَوَى أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ خَالَطَنِي شَيْءٌ» ، فَقَالَتْ: وما