فِيهِ أَمَدَّهُ يُمِدُّهُ، وَمَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الزِّيَادَةِ قِيلَ فِيهِ: مَدَّهُ يَمُدُّهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ لُقْمَانِ: 27 .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ مُنَزَّلِينَ مُشَدَّدَ الزَّايِ مَفْتُوحَةً عَلَى التَّكْثِيرِ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الزَّايِ مُخَفَّفَةً وَهُمَا لُغَتَانِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : إِنَّمَا قَدَّمَ لَهُمُ الْوَعْدَ بِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ لِتَقْوَى قُلُوبُهُمْ وَيَعْزِمُوا عَلَى الثَّبَاتِ وَيَثِقُوا بِنَصْرِ اللَّهِ وَمَعْنَى أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ إِنْكَارُ أَنْ لَا يَكْفِيَكُمُ الْإِمْدَادُ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَإِنَّمَا جِيءَ بِلَنِ الَّتِي هِيَ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا لِقِلَّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وكثرة عددهم كالآيسين من النصر.
ثم قال تعالى:
سورة آل عمران (3) : آية 125بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)
وفي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: بَلَى: إِيجَابٌ لِمَا بَعْدَ (لَنْ) يَعْنِي بَلْ يَكْفِيكُمُ الْإِمْدَادُ فَأَوْجَبَ الْكِفَايَةَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يَعْنِي وَالْمُشْرِكُونَ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ وَهُوَ خَمْسَةُ آلَافٍ، فَجَعَلَ مَجِيءَ خَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَشْرُوطَةً بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، الصَّبْرُ وَالتَّقْوَى وَمَجِيءُ الْكُفَّارِ عَلَى الْفَوْرِ، فَلَمَّا لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ لَا جَرَمَ/ لَمْ يُوجَدِ الْمَشْرُوطُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْفَوْرُ مَصْدَرٌ مِنْ: فَارَتِ الْقِدْرُ إِذَا غَلَتْ، قَالَ تَعَالَى: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ هُودٍ: 40 قِيلَ إِنَّهُ أَوَّلُ ارْتِفَاعِ الْمَاءِ مِنْهُ ثُمَّ جَعَلُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ اسْتِعَارَةً فِي السُّرْعَةِ، يُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ وَرَجَعَ مِنْ فَوْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي، وَالْمَعْنَى حِدَّةُ مَجِيءِ الْعَدُوِّ وَحَرَارَتُهُ وَسُرْعَتُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ مُسَوِّمِينَ بِكَسْرِ الْوَاوِ أَيْ مُعَلِّمِينَ عَلَّمُوا أَنْفُسَهُمْ بِعَلَامَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وَأَكْثَرُ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمْ سَوَّمُوا خُيُولَهُمْ بِعَلَامَاتٍ جَعَلُوهَا عَلَيْهَا، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْوَاوِ، أَيْ سَوَّمَهُمُ اللَّهُ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ سَوَّمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَكَانَ فِي الْمُرَادِ مِنَ التَّسْوِيمِ فِي قَوْلِهِ مُسَوِّمِينَ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: السُّومَةُ الْعَلَامَةُ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا الشَّيْءُ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَضَى شَرْحُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ آلِ عِمْرَانَ: 14 وَهَذِهِ الْعَلَامَةُ يُعَلَّمُهَا الْفَارِسُ يَوْمَ اللِّقَاءِ لِيُعْرَفَ بِهَا،
وَفِي الْخَبَرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «سَوِّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ سَوَّمَتْ»
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ قَدْ سَوَّمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْعَمَائِمِ الصُّفْرِ، وَخُيُولَهُمْ وَكَانُوا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ، بِأَنْ عَلَّقُوا الصُّوفَ الْأَبْيَضَ فِي نَوَاصِيهَا وَأَذْنَابِهَا، وَرُوِيَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ يُعَلَّمُ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ، وَأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُعَلَّمُ بِصُوفَةٍ بيضاء وأو الزُّبَيْرَ كَانَ يَتَعَصَّبُ بِعِصَابَةٍ صَفْرَاءَ وَأَنَّ أَبَا دُجَانَةَ كَانَ يُعَلَّمُ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ الْمُسَوَّمِينَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُرْسَلِينَ مَأْخُوذًا مِنَ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ الْمُرْسَلَةِ فِي الرَّعْيِ، تَقُولُ أَسَمْتُ الْإِبِلَ إِذَا أَرْسَلْتَهَا، وَيُقَالُ فِي التَّكْثِيرِ سَوَّمْتُ كَمَا تَقُولُ أَكْرَمْتُ وَكَرَّمْتُ، فَمَنْ قَرَأَ مُسَوِّمِينَ بِكَسْرِ الْوَاوِ فَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَرْسَلَتْ خَيْلَهَا عَلَى الْكُفَّارِ لِقَتْلِهِمْ وَأَسْرِهِمْ، وَمَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ الْوَاوِ فَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِيُهْلِكُوهُمْ كَمَا تُهْلِكُ الْمَاشِيَةُ النَّبَاتَ والحشيش.
سورة آل عمران (3) : الآيات 126 الى 127وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127)
في قَوْلُهُ تَعَالَى وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ